السبت، 20 يونيو 2009

زينيت Zenith


كان يورج شيفر ودانيال غيالاخ يكملان دراستهما الجامعية عن الشرقيات والحياة العربية السياسية والثقافية، حين خطرت لهما فكرة تأسيس المجلة قبل عشر سنوات (قبل الحادي عشر من سبتمبر)... ولعهما الألماني بالمشرق دفعهما لتخصيص صفحاتها عن العالم الإسلامي. اسمها زينيتZenith كلمة ألمانية ذات أصول عربية وصلت لأوروبا في العصور الوسطى وتعني الشمس في أوج توسطها السماء. يقول الناشران الشابان انها كانت مشروعا دراسيا قاما ببيع أعداده لطلبة الجامعة، لكنها اليوم تطبع من برلين وتوزع في ألمانيا ودول أوروبية عدة متخصصة بالكامل بالتعريف عن الشرق الإسلامي ومشكلاته وتفاصيل حياته وتعقيداته.ليس المشرق الذي رسمه المستشرق الأوروبي القديم، نساء عاريات في الحريم. سلطان يتابع راقصاته وجارياته. لم يعد المستشرق مهووساً برفاهية السلاطين، ولم يعد يعير اهتماما لتخيل الجمال الشرقي وتلوين كائنات لم يشاهدها يوماً. المستشرق اليوم أصبح صحافياً عميقاً ويكتب عن اضطهاد النساء في الحريم، لم يعد يرى أي جمال في العري داخل السجن كما لا يغريه التحاف المرأة بالأغطية. يرفض الاستسلام للصمت إزاء مشكلات جرائم الشرف التي ترتكب باسم الدين، ولا يعجبه أن يتمتع بالديموقراطية وغيره مازال يئن من أوجاع الديكتاتورية.هكذا يمكن وصف يورج ودانيال اللذين كرسا حياتهما الصحافية للتعبير عن أوجاع الشرق وعن جمال ثقافته أيضاً، فليس التركيز منحصرا على الإرهاب كترجمة عالمية حديثة للشرق الإسلامي بعد الأحداث التفجيرية. يقولان انهما وجدا صعوبة في البداية في جذب الشركات الإعلانية لتمويل المجلة، فقد كانت الشركات تنظر ذات النظرة للإسلام والعالم الإسلامي، المعلنون لا يريدون التعاون مع مجلة تتعاطى دينا إرهابيا وتحكي عن شعوب إرهابية. لكن مع الوقت ومع طبيعة القضايا المطروحة أخذ القارئ الألماني يحملها محمل الجدية وأخذت الشركات تنشر إعلاناتها بطبيعية.من المغرب لأفغانستان. هكذا تعرف زينيت عن اهتماماتها.أفغانستان، العراق، معركة الحجاب، الطوائف، العادات الشرقية الرائعة، الموسيقى، الأغاني، مستقبل الشباب، مفكرون مقموعون، شعور الرجل الشرقي ببداية فقدان دوره البطريركي. تعرض زينيت بأحد أعدادها جرائم الشرف التي ترتكب في أوروبا بين المسلمين. تحديدا بين عدد من الأتراك في ألمانيا قاموا بقتل بناتهم غسلاً للعار وكانت النتيجة أنهم في السجن حتى الآن.على غلاف المجلة كانت صورة فتاة تتعرض للخنق، هكذا تنقذ وسائل الإعلام الغربية حياة النساء وتخدم قضاياهن.الطريف ردود الفعل المتطرفة في أوروبا تجاه تناول المجلة للقضية الفلسطينية - الإسرائيلية. إذ اتخذت المجلة موقفا محايداً في عرض قضايا كل من الطرفين. حيث تنشر مواضيع ناقدة جدا عن تجاوزات إسرائيل في ذات الوقت الذي تحاور به إسرائيليون ويهود داعيين للسلام، وتؤكد عبر تقاريرها أحقية الفلسطينيين للعيش بسلام لكنها لا تتأخر عن تصوير ما تفعله «حماس» من تأخير لعملية السلام. ورغم ذلك يتهمها بعض المتطرفين اليهود بمعاداتها لهم وبتمويلها من أحد أمراء الخليج، أما المتطرفون المسلمون فيؤكدون أن الموساد هو الذي يمولها ويرعاها.موقف متطرف طبيعي، فعرض القضايا بمهنية وحرية وعدالة يؤذي وجود التطرف الذي يعتاش ويتغذى على طمس الحقائق.وفيما يرشقها الطرفان بالاتهامات فإن كثيرين آخرين يعتمدون على المجلة في استقاء معلومات عن المشرق العربي والإسلامي.قضايا المشرق بقلم غربي. الهدف هو تقريب العرب للغرب. فكرة بسيطة جداً وتغني عن آلاف المؤتمرات العربية الرسمية التي تعقد في العالم دون أي جدوى، فتزوير الثقافة الشرقية وإظهار الصورة الحسنة فقط أمر مكشوف. أما حين تكون محاولة عرض الصورة الحقيقية الجميلة والسيئة للشرق آتية من الداخل الغربي فإنها تغدو أكثر إقناعاً.محاولات بعض الحكومات العربية لتجميل صورتها في غالبيتها محاولات مضحكة فالغرب ليس غبياً، إذ فيما ترسل له الحكومة العربية معلومة خاطئة عن الداخل المجتمعي، فإن مراسليه قد قاموا مسبقا بتولي المهمة وفهم حقيقة ما يحدث. هل يصدقنا صحافي أوروبي إن قلنا له كل شيء على ما يرام، والإصلاح يجري على قدم وساق؟هل يكتفي بمشاهدة الأبراج التي بنيناها وعدد الجامعات ليهرع ويكتب عن التقدم الذي تعيشه الدول هنا؟يعرف شيفر وغيالاخ عن العالم العربي أكثر مما يعرفه كثير من أبنائه. وهما لا يهتمان بالقضايا الدينية السياسية فقط، بل يبدو ظاهرا على محياهما حبهما للصحراء وللمنطقة التي طالما أثارت ودغدغت فكر الأوروبيين.*وقفت أنا ويورج في ساحة بيبلبلاتز على ذكرى الحرق النازي للكتب ببرلين عام 1933، زجاجة مربعة في وسط أرضية ساحة الحريق ومن خلال الزجاج الشفاف يمكن مشاهدة جدران مليئة بأرفف الكتب الفارغة نفذها الفنان الإسرائيلي ميشا أولما. كتب هناك عبارة للمفكر الألماني هاينرش هاين( فقط في الأماكن التي تحرق بها الكتب يغدو حرق الإنسان ممكنا أيضاً).تصدح أجراس الكنائس وتعلو في فضاء برلين، تعزف موسيقى تطرب دون أن تؤذي مشاعر أحد، فقد ارتاحوا قديما من منح الفرصة لكل مارق على الدين للحكم والتفرقة بين الناس.
نادين البدير
كاتبه عربيه سعوديه
* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
* المقاله منشوره في جريدة الوقت البحرينيه :-

الجمعة، 12 يونيو 2009

عقاب الأرامل


اشتهر الهندوس قديماً بطقس يدعى ‘’ساتي’’، وهو ممارسة شهيرة تحتم على الأرملة أن تحرق نفسها بالنار حين يتوفى عنها زوجها.
كانت الحكمة من وراء ذلك تجديد الزواج وزفاف الأرملة للميت.
ولم يصف التاريخ طقوساً ‘’ساتية’’ عن زفاف الأرمل للزوجة الميتة.
يقال إن ‘’الساتي’’ كان مفروضا على المرأة الصالحة، وتم شرح تلك الممارسة دينياً على أنها ليست انتحارا تمنعه الكتب المقدسة، بل عمل صالح يغفر خطايا الزوجين ويضمن خلاصهما وحياة تجمعهما بعد الموت.
استمر الشواء ‘’الساتي’’ حتى بدأ منعه في الأراضي الخاضعة لسيطرة الأوروبيين، فقد جرمه البرتغاليون والهولنديون والفرنسيون والإنجليز.
وفي العام 1987 صدر قانون يمنع ‘’الساتي’’ ويعتبر تمجيده أو التشجيع عليه أمرا غير قانوني. ورغم الحظر المفروض، فقد مورست تلك العادة الهمجية في راجستان الشمالية لمرات قليلة جدا في السنوات الأخيرة، وفي تلك الولاية يقام مهرجان سنوي إحياء للمرأة الهندوسية التي تقوم بحرق نفسها مع جثة زوجها الميت.
أما جزيرة صقلية بجنوب إيطاليا، فقد أجبرت بها الأرامل على ارتداء سواد خانق مدى الحياة بعد وفاة الزوج، ومنعت من الزواج مجدداً، استمر هذا التقليد الهمجي حتى السبعينات من القرن السابق، ومع الأسف فلا تزال هذه العادة معمول بها إلى اليوم عند عدد من العائلات الصقلية.
في باكستان حلقت الأرملة شعرها وأجبرت على ارتداء بياض خانق.
وتقطع أرملة قبائل الهوتنتوت الإفريقية جزءاً من أصبعها حين يتوفى عنها الزوج؛ إشارة إلى الوفاء الاجتماعي والرباط المقدس بينهما.
انتحار إجباري آخر في مناطق أخرى، حيث أرامل أخريات عقابهن مختلف، أو أن انتحارهن مختلف، انتحار مؤقت. الحبس لأكثر من أربعة شهور بقليل، وهو ما تمارسه مجتمعاتنا إلى اليوم، قد يختفي هذا التقليد يوماً ويتحول لذكرى ضمن الطقوس العربية القديمة، لكنه اليوم معمول به لدرجة متطرفة بعض الأحيان، إذ اختارت بعض النساء ألا يخرجن من المنزل لمدة عام كامل حدادا على الزوج المفقود.
المعروف، أن تمنع الأرملة من الزواج خلال فترة الحداد أو العدة لغاية تحديد النسل وعدم اختلاط الأنساب، لكن ذلك يرافقه ممنوعات أخرى.. مثل الخروج من البيت لغير حاجة.
إذ يجب أن يكون خروجها للضرورة.
لا أعلم إن كان التنزه ومتابعة الطبيعة ضمن الضرورة، ولا أفهم علاقة اختلاط النسب بالخروج ومخالطة الرجال ومحادثتهم.
أيعني تعميم الحبس على جميع النساء أن هناك شكا في أخلاق جميع النساء؟
هل توحي نظرية حبس الأرامل بأن الأصل في النساء البعد عن الطهارة بالمعنى المحلي للطهارة، وأنهن بلا استثناء قد يمارسن الحرام في أية لحظة ومع أي غريب؟
في عزاء حضرته اجتمعت المفتية مع الأرملة، في كل عزاء تأتي مفتية لتلقي تطرفاً جديدا وتوزع إرشاداتها على أهل الميت، لا أحد يذكر الميت، لا يخصصون ساعة يجتمع فيها أبناؤه وأقرباؤه لذكر إيجابياته ومنجزاته، ووصف علاقتهم به، وكم كانوا يحبونه.
ولأن المفتية تحكي وتتطرف باسم الله، فقد صمت الجميع.
لا تتزيني ولا تتبرجي وأنت داخل المنزل حتى انتهاء العدة، لا تقصي شعرك ولا تصبغيه ولا تضعي الكحل ولا تستخدمي أي مادة عطرية. استحمي فقط..
لماذا يكرهون الورود؟
لِمَ لا يجبر الأرمل الرجل على اتباع نموذج للحزن احتراما للزوجة المفقودة؟ كأن يحرم من الحياة. أو يجبر على معانقة الوحدة.
تتصل الأرملة بالشيوخ والوعاظ، تنشد منهم طريقة للحزن. تطلب تعذيباً مازوشياً لتحولها أرملة.
لا تخرجي من بيتك، ولا تختلطي مع الرجال..
أتعاقب لأن زوجها مات؟
ماذا عن الوحدة والاكتئاب النفسي والحاجة لالتفاف الناس من حولها في هذا الوقت المحزن.
لماذا يتحول الزوج بمجرد وفاته إلى أحد المقدسات؟
وكيف تعتد الأرملة وتمنع من الحياة كبقية البشر على جريمة لم تقترفها، بل اختارها القدر؟
هل تعتد الأرملة أيضا على رجل مارس أمورا منافية للدِّين؟ هل يجوز أن تمسك الحداد وفاء لشرير؟
ومن يستطيع أن يحدد للأرملة كيف تحزن وبأية لون يكون حزنها؟

نادين البدير
كاتبه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/alrai/Article.aspx?id=138360

* و منشوره في جريدة الوقت البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10875

الجمعة، 22 مايو 2009

الكويت تعيش حالة ازدهار مجتمعي

الأسئلة التي كانت متداولة إعلامياً منذ بدء إشراك المرأة في العملية الانتخابية هي: لم لم تصوت المرأة للمرأة؟ لم صوتت المرأة للإسلاميين؟ هل يؤكد هذا عداء الإناث لبعضهن؟
بعد كل خسارة انتخابية نسائية (عربية عموماً) تعاد ذات الأسئلة وتصاغ ذات الأجوبة.. أحكام ماسخة متداولة توجه لكل من انضمت للمنافسة السياسية.
البعض سخر من وطنيتهن التي ‘’ لا تتعدى البحث عن الشهرة’’. البعض قال أن برامجهن الانتخابية ضعيفة جداً. بحثوا عن أدق التفاصيل في ملابسهن وماكياجهن وشعرهن. أشاروا بتقليدية مزيفة لاختلاطهن بالرجال. شمتوا بعدم اكتراث المجتمع منطقياً للتصويت لعقول أنثوية لا تملك صاحباتها شيئا تقدمه سوى تزيين البرلمانات وإلهاء ذكوره.
ليس هينا على المرأة العادية الاستماع لتلك الانتقادات التي لا تخلو من التجريح في أجواء داعمة يتزايد بها طغيان العرف والقبلية، وليس هيناً عليها التعايش مع موجة الصد لمرتين ولثلاثة انتخابات متتالية وتجاوزها في كل مرة.
لكن أولئك النساء لسن عاديات.
هذا وصف لما عايشته ورأيته في أعين عدد من المرشحات منذ دخلت المرأة الكويتية الانتخابات.. حماسهن للقضاء على الفساد، جلدهن، جرأتهن.
بعد عقود من المطالبة، تفوز أربعة نساء بالانتخاب المباشر ودون الحاجة لنظام الكوتا.
كان لي حوار مع عدد منهن بعد خسارتين، بدأن يتحدثن عن أهمية المطالبة بكوتا (حصص) تضمن مقاعد نسائية في البرلمان، فانصراف المصوتين جعل الطريق تبدو مستحيلة، لكن نجاحهن هذا العام يلغي الحاجة إلى أي كوتا. فالمشاركة السياسية بعد وقت قصير من إقرارها إنجازا لم تحققه كثير من العربيات. في المغرب (حيث الحقوق النسوية بأقصى تقدمها) أقر حق ترشح المرأة ومشاركتها في البرلمان منذ العام 1963 لكنها غابت عن نتائج الانتخابات التشريعية منذ تلك المدة ولم تدخل للبرلمان سوى عام 1993 أي بعد ثلاثين عاما. وبقي وجودها محدودا حتى أقر نظام الكوتا.
أسباب الغياب عربية، فالأمر لا يتعلق ببرامج انتخابية أو بأهداف سياسية، كل شيء يتوقف حول الأنثى المرشحة وليس السياسية المرشحة.
هذا سؤال عربي يطرح داخلياً في غالبية البلدان العربية والإسلامية. كيف تدخل أعضاء أنثوية للبرلمان؟ للوزارات؟ لقطاعات الصناعة؟ لبناء الجسور والأبراج؟ لمحطات البنزين؟
والخوف كل الخوف: هل ستكتفي الإناث بالاستقلال أم ستحل الإناث محل الذكور يوماً؟
كيف يسمح بأن تؤنث المدينة؟ فعلياً لا لغوياً فقط؟
أغواية أن تؤنث المدينة؟
أعتقد أن أعداداً مجتمعية تحمل نتيجة الفوز الكويتي بتجاوزها الاهتمام بإيجاد إجابات على الأسئلة السابقة. التقدم الفكري للمجتمع هو الذي أوصل أولئك البرلمانيات رغم وجود أصوات كثيرة متأخرة ومتطرفة.
بعد أول خسارة برلمانية للمرأة، أنتج فيلم للمخرج الكويتي وليد العوضي بعنوان عاصفة من الجنوب. كان وثائقيا عاطفياً يعايش حياة ثلاث مرشحات كويتيات في مراحل الانتخاب المختلفة وصولا إلى دموع الخسارة. في إحدى اللقطات يظهر زوج إحدى المرشحات وهو يعلق على انتقادات قبيلته لموافقته على إشراك زوجته (المرأة) في الانتخابات، قائلاً بأنه مستعد لأن يذود عنها ويفديها بكل ما يملك حتى بأبنائه..
كم امرأة في الخليج قد تواتيها فرصة أن يقف إلى جوارها رجل يقول لأجلها وأمام الملأ تلك الكلمات.
فرصنا قليلة جداً..
تظهر رولا دشتي في الفيلم نفسه، تقف الأنثى الوحيدة في ديوانية مليئة بالرجال، وتحكي معهم بصوت مرتفع..
كم امرأة في الخليج تعلم أن لصوتها المرتفع مكانة عالية وشرط إنساني لإعلاء ذلك الصوت أمام الناس؟
هذه هي الروح المجتمعية الكويتية التي أوصلت النساء للبرلمان. والتي كشفت عن ازدهار اجتماعي أكثر منه ازدهار سياسي.
الصعوبة كانت في البداية، تطلب الأمر تأقلماً محلياً مع ذهاب الرجل لمراكز الاقتراع والتصويت لامرأة يعتقد آلاف غيره أن مكانها بين طاولة البصل وسرير الرغبة، تطلب ثقة النساء بعناصرهن وتجاوز الخوف من الذات.
وكيف لا تثق بسيدات سياسيات محنكات. أسيل العوضي تمد يدها للجميع، لمن يعتبرها حليفة ولمن اعتبرها خصما في الانتخابات.
كذلك كانت ردود الفعل الأكثر تأثيراً بعد خسارة العام الماضي..
المرشحات لم يغضبن قدر شماتة المنافسين بهن، روحهن الوطنية العالية باركت لكل من فاز وهنأت به الوطن. أعتقد أن هذا هو المهم الآن، أن لا تتحول الساحة الفكرية والسياسية لحلبة تراشق بين الليبراليين والإسلاميين، بين النساء ومناهضي تحرر النساء، بين النساء أنفسهن. بل لحلبة تنافس على الخدمة العامة.
اليوم يقولون أن وجودها في البرلمان الكويتي سيقلل من حدة العنف فيه. وسيزيد من عقلنة قراراته. مؤكد أن أسيل العوضي ورولا دشتي ومعصومة المبارك وسلوى الجسار وصلن درجة الكمال في النظرة للوطن. لكن البعض يريد للمرأة أن تضفي الكمال الإلهي لأي منصب تصل إليه، طالما أنها منيت به أخيراً. هل يطلب ذات الأمر من الرجال؟ ألا يخطئ الرجال؟ لم على المرأة أن تكون مثالية جداً وكاملة للغاية؟


نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/alrai/Article.aspx?id=134061

* المقاله منشوره في جريدة الوقت البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10661


الجمعة، 8 مايو 2009

هيبا، هيباتيا وعزازيل

ماذا يقول الراهب هيبا؟ إن للعنف جذوراً في كل لاهوت، وإن الحرب وليدة المعتقدات أو إن المعتقدات مبرر لكثير من الدماء. مثلما الشيطان مبرر لكل الخطايا.في رواية ‘’عزازيل’’ التي هي ترجمة يوسف زيدان لمجموعة رقوق قديمة، يقول الأسقف كرلس على لسان المسيح ‘’ما جئت لألقي في الأرض سلاما بل سيفاً’’ تسمعه الجموع المحتشدة في الكنيسة فتهيج وتجن لتسحل بعدها أستاذة الزمان عالمة الرياضيات الجميلة هيباتيا (الكافرة) في شوارع الإسكندرية. تجرد عنها ملابسها وتمزق أعضاءها حتى تصل لمثواها الأخير، كومة حطب تضرم بها النار فتحرقها حية وصراخها يجلجل في أنحاء المدينة.أحكام هدر الدم السائرة اليوم لا تفرق كثيرا عما حدث لهيباتيا سنة 415م.قرأت لأحد المهووسين مقالا يحلم صاحبه أن يحل البابا بندكتس السادس عشر دم يوسف زيدان! في حرم المؤسسات الدينية يغدو الدم سهلا، ربما ترياقا.. كثيرة هي الأضحيات والقرابين التي قدمت لمختلف أنواع الآلهة منذ الأزل. عذارى..حيوانات..رجال ونساء..كفرة.. علماء هراطقة. دماء. لكم تلوثت الآلهة بالدماء. فهل نقتص حقنا البشري من صناع التراث الديني أم من الآلهة؟ويعيد التاريخ الديني نفسه، الأسطورة تعيد نفسها بطرق مختلفة..المتحدث باسم الإله سأل الراهب هيبا عن أعظم الأطباء فأجابه: أمنحوتب، أو أبقراط..رد: بل هو ربنا يسوع المسيح..نفس ما نشهده عند المتحدثين باسم الإله من المسلمين.وهو ما يتبين من قراءة مؤلف لجورج طرابيشي عنوانه (مصائر الفلسفة بين المسيحية والإسلام) حيث ذكر مصطلح الأرثوذوكسية الإسلامية على غرار الأرثوذوكسية المسيحية في أثناء شرحه لموقف الحضارتين من مسألة العقل.عبارات رجال الأديان تتردد هي ذاتها منذ أكثر من ألف.. أكثر من ألفي عام ‘’نحن نعيش زمن الفتن، زمن الجهاد’’.. ‘’طهروا الأرض من أعوان الشيطان’’..كل من خالف المؤسسة ليس مخطئا فقط بل نجس، حتى داخل الدين الواحد هناك نزاعات طائفية تفرق بين الطاهرين والنجسين، نزاعات خالدة لا تنتهي. الدعوات إلى تطهير النفس والجسد لا تنتهي. لكن من بيده بيان لنص الطهارة؟تسجل الرقوق التي لاقت ضجة هائلة مع نشرها، صراع أساقفة الكنيسة في القرون المسيحية الأولى حول طبيعة المسيح، بين مؤيدي مجمع نيقية القائل بأن المسيح هو الله وبين أتباع آريوس القائلين بأن المسيح كان بشراً..والذين حكم عليهم بالحرمان والطرد.وتروي المذكرات رحلة دينية نفسية فلسفية عميقة..يصف بها الشاعر أو الطبيب هيبا بعض الفكر الخرافي آنذاك، كالإيمان بأن بئر الشيطان تقتل من يشرب منها، فيكشف لهم الراهب الطبيب ساخرا أنها مسكن للدود ولا علاقة للشيطان بها.ورغم سخريته فرقوقه تجسد الصراع الدائر بين الإنسان والشيطان.. يلومه هيبا لأنه سبب كل خطيئة اقترفها. حتى ألبسه غوايته للكتابة عن خطيئته مع أوكتافيا.لكن عزازيل (الكلمة العبرية للشيطان) يدافع عن نفسه فينقذ هيبا من تناقضاته وأوهامه..ماذا يقول عزازيل؟أنه ليس محرضا على الآثام؟ما يعتبره البعض إثماً من صنع الشيطان يعتقده آخرون عملاً من صنع الرب. قال عزازيل لهيبا يوماً: هذا ليس صوتي بل صوتك أنت؟ أنا مبرر للخطايا ليس إلا. الإله لا يصنع الإنسان بل العكس.. وأنا أيضا من صنع الإنسان..ماذا يريد الخارج من الدير للأبد، الحر الذي تفاهم مع شيطانه أن يقول:إن الإله وعزازيل يتحكمان بالإنسان وفق السائد؟ يسيران خطوط حياتنا دون تدخل منا؟ أهذا ما نفهمه منك يا هيبا؟ تجرأ الراهب في موضع آخر، فتجاوز وصف تفاصيل علاقة حميمة جمعته بامرأة وثنية، ليصف طيور الحمام وصفا رومانسياً رائعاً. ‘’ لا تفرق ذكوره بين أنثى جميلة وقبيحة، ولا يعرف الفرد منه أبا أو أما بل يعيشون في شركة كاملة لا تعرف أنانية ولا فردانية.. كحال الإنسان أول الأمر.. يختار الرجال من النساء والنساء من الرجال ما يناسب الواحد منهم للعيش حينا في محبة مع الآخر ثم يتركه إذا شاء ويأنس لغيره.. ويصير نسلهم منسوبا لهم جميعاً...’’تمنى مرة لو يكون مثل ذكور الحمام ‘’ أحظى لحظة بمن اقترب مني ثم نطير..’’.اجتمعت التناقضات في شخص واحد. فهيبا راهب استعار اسمه من هيباتيا الكافرة بعرف الكنيسة، وهو شاعر وملحن وطبيب وعاشق .. عشق الحياة والمرح، قبلها عشق أوكتافيا الوثنية الحزينة على ديانتها وعلى معبد هدمه ثيوفيلوس، اعتقد هيبا أنها فاجرة. لماذا يقضي الرجل أوقاتا مع امرأة يحتقرها ويعتقدها آثمة تذكره بخطيئة آدم الأولى؟ بعد عدة أيام قضاها معها ساورته شكوكه التي تلازمه كظله.. من منهما الضال ومن المهتد؟ المرأة الوثنية أم الراهب الزاهد؟ وبعد عشرين عاما كتب يقول ‘’ أوكتافيا الطاهرة’’. حين طلبت منه أوكتافيا البقاء إلى جانبها فكر هيبا الرجل الأناني فردت نفسه عليه. كيف يتخلى عما بناه، عن الطب واللاهوت لأجل امرأة. وحين أحب مرتا وسألته الزواج..أخبرها أن إنجيل متى يحرم الزواج من مطلقة فذلك كأنه زنى..أجابت مرتا: وما الذي كان بيننا بالأمس في الكوخ؟ ألم نكن هناك نزني؟أعادت نفسه ذات الرد الأول.. كيف يتخلى عن كل شيء، عن الطب واللاهوت، لأجل طفلة عشرينية.لكنه في النهاية تخلى عن كل شيء. أفهمه عزازيل كل شيء. أقنعه أن التجسد خرافة، وأن العالم الحقيقي هو الموجود بداخله وليس في اختلاف الوقائع، تصالح مع أفعاله، بدأ يزهو بشعور الجوع وحاجته إلى الطعام. رحل عن الأوهام والخرافات ليعيش حراً.هل ذهب إلى حلب ليتزوج مرتا وينقذها من الغناء؟ أم أنه لم يحب مرتا ولا أوكتافيا؟ أحب فيهما جسديهما العاريين المناقضين (لطهارة) تعاليم الكنيسة؟ قال له عزازيل يوماً ليثنيه عن الانتحار:‘’تحيا يا هيبا لتكتب، فتظل حيا حتى حين تموت في الموعد ، وأظل حيا في كتاباتك..اكتب يا هيبا فمن يكتب لن يموت’’.وقال يأمره بقول الحق: ‘’لا تكن مثل ميت ينطق عن ميتين ليرضي ميتين’’.

نادين البدير

كاتبه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-

http://www.alraimedia.com/alrai/Article.aspx?id=131112

* المقاله منشوره في جريدة الوقت البحرينيه :-

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10531



الجمعة، 1 مايو 2009

بلــــورة

الأحلام تعكس ثقافة الشعوب.
حلمتُ زماناً أنني أجربُ حذاءً. وفسرتْ السيدات من حولي الحلم..
الحذاء معناه عريس.
هل تدرج حقد النساء ليصل إلى ربط الرجل بالحذاء، هونت الأمر بأن يكون الحذاء تمثيل لموطئ قدم جديد عبر الزواج والانتقال للعيش في مكان آخر.
في نومها نزعتْ رفيقتي ذات ليلة عقداً من رقبتها، فقالوا لها إن فقدان زوجها بات وشيكاً.
ورأتْ مخلوقة أخرى ميتة تخبرها بأنها تتعذب في قبرها، فأرجع السبب إلى أنها كانت ترتب حاجبيها في حياتها. حزنوا عليها وأخذوا يرتلون لها الآيات لعل عذابها يهدأ أو يتوقف.
إنْ حلمتَ أنك ترقص، فيعني ذلك أنك ملعون، وإنْ حلمتَ أنك تغني، فقد ارتكبت إثماً كبيراً.
أليس هناك احتمال لحاجة عضلاتك للحركة؟ لأن تكون روحك الصافية قد أخذت تغني في منامك لتسعدك؟
التي تواظب على ارتداء العباءة ترى نفسها في المنام دونها، فيعتقد أن أمرا فاضحا سيصيبها ويهتك سترها.
وترى بلورة الأحلام أن مشهد امرأة تسير منحرفة عن الطريق يعني أن زوجها غير راضٍ عن سلوكياتها.
وحين انطلقتْ تســافر في حلمها وحـيدة خشيتْ ولجأتْ لصاحبة البلورة الشعبيـة، فرأتْ أن مكروهاً سيصيبها؛ لأن سفرها دون محرم حرام.
تفسيرات الأحلام كتفسيرات النصوص لا تخرج عن إطار الطاعة والتقاليد.
هل هكذا أفسر ما أراه في المنام؟ هكذا تختصر أرواح وعوالم وأنفاق خيالات بحكايات مشعوذة أو قصص تقاليد.
مَنْ هم المرحومون في الأرض الذين يحلمون أم الذين لا يعرفون غير عالم الملموس؟
لما لا أتوقف عن الحلم؟ يخبرني كثيرون أنهم لا يرون شيئاً في منامهم. لماذا أنا إذاً؟
ويقول العديد أن الأحلام رمادية، لكني أرى أحلامي ملونة بوضوح.
لا يلبث جفني أن يرى ظلمة حتى ينتقل رأسي لعوالم جديدة، وقصص عجيبة.
أدققُ دوماً، أتأكد أن ما يحدث ليس تكملة لأحلامي، بل من صنع الواقع.
وأحياناً أضطر لأن أدقق أكثر حين تختلط أحلام النوم الغريبة بأحلام اليقظة السعيدة بواقع تعيس. أيهما أختار؟ وأيهما الأصح؟
رأيتك بالأمس، كان عمرك خمسا وستين، وكان البشر يكافئونك لتأليفك قصيدة معروفة وقديمة جداً، لكنها ليستْ لك.
لماذا أتيتني. أعلم أن لي يدا في جلبك وإلا ما كنت تجرأتَ.
كنتَ على مسافة ياردات مني، عجبت كيف ابتلعت الدنيا عشرين عاما منك دون أن أعرف، أخبرني أناس حولي لم أصادفهم يوما أني لم أكن أدرككَ جيداً حتى أني لم أدقق يوماً لأعرف أن شعرك أبيض بامتياز، ونظرتُ إليك أتفحصك للمرة الأولى وألحظ فارق العمر بيننا.
وكيف لم أعلم أنك تكتب شعرا، كيف لم تخبرني أن القصيدة المعروفة كانت من تأليفك، وأنك تحيا منذ ذلك الزمن، لهذه الدرجة كنت أجهلك.
هل يقل التقاء الأرواح قيمة عن التقاء الأبدان؟
تهتُ بين أن أفرح كعادتي؛ لأنني التقيتك كما أقابلك دائما في زحام الدنيا دون أدنى موعد. ألذلك أهواك؟ هل أحمل في داخلي بعضا من رجل لا يحب أن تلاصقه امرأته؟
وتيه بين أن أفرح؛ لأني اكتشفتُ بك حقيقة قد تبعدني عنك؟ تنسيني إياك؟ كذبك. أيكفي أن أعرف سنوات عمرك، وأعرفك شاعرا كي أنساك؟
وكيف تريدني البلورة الشعبية أن أراك، حبيباً في الأربعين أم أباً في الستين، أم أنها لا تملك في دستورها نصاً لحالتنا الخارجة عن التقاليد؟.

نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=129441

* و منشوره في جريدة الوقت البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10464

الجمعة، 10 أبريل 2009

بحبــك يا حمــار

ليس ''حمار الحكيم'' الذي فلسفه توفيق.
بل ''حمار الصغير''.
حماره دخل أبيات الأغنية العربية التي دافعت عن وجوده وعن حقه كحيوان من خلال أداء سعد الصغير؛ حتى صار للحمار نصيب عالٍ من حصة الأغنية الشعبية في سوق المستمعين الذين زاد توجههم في السنوات الأخيرة نحو الأغنيات المعتمدة على استفزاز الأذن قبل التقاليد الفنية. بالكلمات والحركات والأزياء عدا الألحان.
الحمار أثار أزمة. ترددت أخبار عن أن شعبان عبدالرحيم لم يصمت إزاء أغنية (بحبك يا حمار)، فقام بتحذير سعد الصغير من التمادي بحب الحمار في الملاهي الليلية وعلى المسارح؛ لأنه (أي شعبان) صمم على إهداء أغنية للحمار قبل سنوات عدة (أنا بحب الحمار بجد مش هزار)، ويتهم اليوم سعد بسرقتها، وبعد تنافس المطربين على اكتساب ود الحمار حظيت أغنية سعد الصغير بحفاوة شعبية ساحقة.
لكل عصر فئته الشعبية الخارجة عن السائد. ملابس رثة وألفاظ لم يعتدها العرف. سعد وريكو وكثير من المغنين قد يكونون ضمن هذه الفئة.
في العادة تترك تلك المجموعة أثراً أو تحدث تغييراً، فطالما أنها أحدثت ضجيجاً في وقتها، فهي وإن انتهت أو اختفى بريقها سريعاً مثلما ظهر، إلا أنها خطوة أو زاوية من زوايا المستقبل.
ثورة اجتماعية؟ أم سقوط فني؟
في مظهرها لا تبدو الأغاني الجديدة ثورة اجتماعية، قريبة هي إلى زعيق أولاد الشوارع.
وليس التأقلم مع تلك الأغاني ممارسة للانفتاح على كل ما هو جديد وعصري، التأقلم والعصرية ليس قبول كل شيء، وأي شيء.
حين ظهر ''الهيبيز'' في الغرب ارتدوا ملابس تتحدى الذوق العام في تلك الفترة، واعتمدوا المظهر البوهيمي ومارسوا أنواع الإباحية، واليوم يعتقد الكثير من هيبيز الماضي أنه ليس من داع لاستمرار ذلك النهج الحياتي المتخبط بعد انتهاء الثائرين من تنفيذ مرادهم. فبعد الحرية العشوائية المؤقتة دعت الحاجة إلى الاستقرار عبر الحرية الواسعة المنظمة والمسؤولة.
واليوم يزعم نجوم موسيقى الروك (المتهمون بعبادة الشيطان) أن لديهم رسالة يوصلونها من خلال ألفاظ ينتقدون فيها مبادئ لا يريدونها، ولإثبات سلامة أهدافهم يشاركون بالأعمال الخيرية العالمية، وقد طالب أهم نجوم الروك زعماء العالم بتخفيف أعباء الديون عن المنطقة الإفريقية المنكوبة، وعملوا بجهد كبير لكبح داء الأيدز عن الانتشار هناك.
إذا كانت الأغنية طريقا قصيرا لإيصال رسالة، فهل يملك المغنون المصريون واللبنانيون الجدد مشروعا مجتمعيا أو سياسيا؟
واحدة تتغزل بالحصان، وآخر بالحمامة، وثالث بالعنب، وهناك من تنتظر دورها على ''الرووف''.
الموضة الجديدة هي التحول إلى دائرة الحيوان والنبات، الموضة التغني بجزمة بوش والحنطور.
هل من ضمن المشروع تشويه الموسيقى، وتعليم الفراغ.
هل الأغنية انعكاس لثقافة الأفراد؟ أم أن الأغنية هي التي تصنع الثقافة؟
جزء كبير من الثقافة يتشكل اليوم عبر شاشات المنازل. يستقبل الفرد كلمات لم يعتد أن تدخل منزله، لكنها تعجبه أو ينصت لبرنامج ديني يتدرج حجم تطرفه بين البسيط والمعقد، وكلها تصب في الزاوية ذاتها.
في كل مرة تناقش بها أوضاع الفن يتردد لفظ (العري) آلاف المرات وتهمل الألحان، كلمات الأغاني، مستوى المطربين.
المسألة ليست في العري أبداً، وكأن العري شيء جديد على الفرد العربي.
كانت الراقصات في الأفلام القديمة وحتى الممثلات يرتدين ملابس كاشفة جداً لم تقم بارتدائها أي مطربة اليوم، ولم يكن المجتمع العربي يكتبه أو ينتقده ويهاجمه.
حالة الجسد المكشوف هي حالة قديمة ومعتادة.
كان الجسد شبه العاري مكملاً للروح الموسيقية متعانقاً معها. كان الجسد مكشوفاً بوقار. اليوم تؤدي الموسيقى دور الكومبارس الذي يقف خلف الباحثات عن الثروات.
وفي بعض المقطوعات، اجتمع لحن ملائكي منزل من السماء مع أجساد الإناث وصوت فريد الأطرش المستحيل لتتشكل لوحة إنسانية نادرة، كما في أغنيته الربيع الذي نعيشه هذا الشهر.
وأنا يمرني الربيع هذه الأيام. وأكتب عمن يريد أن يطعم حماره آيس كريم بدل البرسيم.

نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=124609

* و منشوره في جريدة الوقت البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10248

الجمعة، 3 أبريل 2009

في الملتقى الإعلامي روت لي نبوءة أبيها: لن تنجحي.. لأنك شريفة


أثناء تكويني الفكري استمعت لبعض الأهل يتحدثون عن قصة شابة كانت تربطهم بها قرابة بعيدة، واجهت ظروفاً صعبة في صباها، ثم أثارت دهشة الكثيرين وحنق البعض وهي تتخطاها وتتحداها لتكمل مشوارها الذي اختارته. طوعت الظروف وسارت بدرب رسمته بيديها. كان الإعلام حلمها.قالوا إنها كانت حديث الجميع. فمَنْ المرأة التي تتجرأ على التقاليد في أوائل السبعينات وتفكر بالعمل الإذاعي.لفترة طويلة وإرادة تلك الفتاة المجهولة التي سمعت عنها تمدني بأشياء من الصلابة وبروح الحياة رغم أني لم أرها ولم ألتق بها قط ولا أعرف حتى اسمها، وحسبت أنها مذيعة عادية بإحدى القنوات المحلية، اكتفيت بكلمتين عنها علقتا بذاكرتي: أرادت، نفذت.وفي نيسان الماضي حضرت إلى الكويت للمشاركة في إحدى ندوات الملتقى الإعلامي العربي الذي يرأسه الإعلامي الكويتي الأستاذ ماضي الخميس. كنت مدعوة في مثل هذا اليوم على العشاء ضمن الوفد السعودي الموجود آنذاك. هاتفني الأستاذ ماضي وقال لي: السيدة هدى ذاهبة، روحي معها بالسيارة نفسها.كانت فرصة للتعرف شخصياً إلى الإعلامية العريقة التي ينوي الملتقى الإعلامي تكريمها في اليوم التالي.في بهو فندق شيراتون كنت أنتظرها عند المدخل. رأيت هدى الرشيد قادمة نحوي، عرفنا بعضنا دون أن نلتفت باحثات بين الجموع التي كانت تملأ البهو استعدادا لافتتاح الملتقى في اليوم التالي.فوجئت بها، جميلة، أنيقة جداً، شعرها قصير. وماكياجها بسيط. تبدو كسيدات المجتمع الأوروبي. تحدثنا في السيارة كثيراً، وصارت تسألني عن عملي وأسألها عن حياتها.حين وصلنا المجلس الذي كان يضم عشرات الرجال وأربعة أو خمسة سيدات جالسات مع بعضهن كنت أهم بالجلوس حين قالت لي: لن نجلس قبل مصافحة الجميع. قام الجميع من مقاعدهم وأخذنا نصافح عددا كبيرا من الرجال، وحين انتهينا جلسنا قرب السيدات، فقالت متذمرة: لا يعجبني الجلوس هنا في الزاوية. المفترض أن نتوسط الحاضرين. كانت تلك هي السعودية الأولى في حياتي التي ترغب في توسط الحاضرين دون الانزواء خجلاً. صعب لدى الكثيرات أن تتطابق مبادئهن العليا بتفاصيل عاداتهن اليومية.حين أعلن عن العشاء، همست في أذني: لن نقبل أن نجلس إلا في مقدمة المائدة، وهكذا كان.في اليوم التالي كرمها الملتقى الإعلامي بجائزته التقديرية.هدى الرشيد السعودية التي أمضت 32 عاما كمذيعة رئيسة في إذاعة الـ’’بي بي سي’’ البريطانية، وتردد عبر الأثير: هنا لندن.صادقتها ولم أصدق نموذجها الفريد. تملك روحاً شجاعة تجهل الكلل. وصممت بعدها على إجراء حوار معها.حضرت من لندن.روت قصتها في الانتقال من السعودية إلى الحياة في بريطانيا، ووصفت معارضة أبيها الشديدة لانتماء ابنته لعالم الإذاعة.حين أعلنت لأبيها أنها تريد أن تكون مذيعة حاول التثبيط من همتها:‘’لن تنجحي في هذا العمل؛ لأنك شريفة’’.لكنها أصرتْ على المضي في العمل الإعلامي الذي تحتكر النجاح فيه كل من فقدت شرفها، كما يعتقد والدها، ستثبت لأبيها أن النجاح والشرف مقدر لهما أن يلتقيا، فلا شرف دون طموح، ولا نجاح أبدي لمن يتطاول على قيمه.وبعد مدة من خروج صوتها عبر الأثير صار الأب يخبر الجميع عن ابنته التي رفعت رأسه عالمياً.. حتى كان يسأل سائق التاكسي: أتعرف ابنتي.. المذيعة الشهيرة في الـ’’بي بي سي’’.. وانتقل لاحقا للإقامة عند ابنته التي صارت مصدر فخره.نجاحها كان أبدياً.لكن النجاح لا يأتي بسهولة: ‘’كنت أبكي كثيرا في الحمام في مبنى البي بي سي’’ ‘’حققت كل ما أريد مع بعض الفجوات المحزنة، هل توجد سعادة من دون فجوات’’.بعدما أذيع الحوار صارت الاتصالات تتوالى على هاتفي: أهي هدى؟ هل هي سعودية أصلية؟كنا نظن صوتها ملكاً لمذيعة عراقية، وكم سنة صار لها في بريطانيا؟ وما أسباب هجرتها؟.شيء حزين.اثنان وثلاثون عاما من العمل في أعظم المحطات الإخبارية ولا يعلم عنها مواطنوها انتماءها لبلدهم، كما لم يتم تكريمها في أي من الاحتفاليات الوطنية! واضح أنها لم تكن تهدف لشهرة وضجيج. واضح أنها كانت تهوى عملها حبا جماً، وواضح أن هناك نكراناً وإهمالاً للطاقات العربية المهاجرة، كما يحدث دائماً، وأعتقد أن هذا هو سبب وجودها في الخارج، فأولئك الذين علموا تماماً مقدار ما يمكن أن تمنحه الأرض العربية، وعلموا تماماً موهبتهم التي تضيق عليها مساحات بلدانهم قرروا منذ زمن بعيد الهجرة، وبقي هنا الحالمون بمستقبل أفضل، أو بقي الذين لا يعلمون أنهم يملكون الموهبة. وهدى ضمن الندرة التي عرفت أنها تملك الموهبة، وعرفت أين وكيف تستغلها؟أما أهم اتصال جاء كتعليق على الحوار، فكان من إحدى قريباتي تخبرني أن ضيفتي هي الفتاة ذاتها التي كنت أستمع لحكايتها في صغري.علاقتي بها بدأت منذ خمس عشرة سنة، وتعتقد هي أنها تعرفني منذ عام واحد فقط.المرأة ذاتها التي أمدتني بالقدرة على التمسك بالحلم، تمدني اليوم بالرغبة في الحلم من جديد، وعن قرب تعرفني على أجمل نموذج مستقبلي يمكن أن تحلم به أي سيدة.هذا شكري أوجهه للملتقى الإعلامي العربي الذي لولا تكريمه لهدى الرشيد ما كنت تعرفت إلى واحدة من أسباب تكويني.وهنيئاً للملتقى (الذي يبدأ دورته السنوية غداً) بمنجزاته الحية، والتي آمل أن تكون ككل سنة مفاجئة معطاء.
نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه
* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
* و منشوره ايضًا في جريدة الوقت البحرينيه :-

الجمعة، 27 مارس 2009

كلنا رسل للقانون


إذا كان غسيل الأدمغة قد دفع للاعتقاد بأن سيادة القانون أمر مخالف للعقيدة.
وإذا كان ذات الغسيل قد دعا للإيمان بأن مؤسسات المجتمع المدني هي عمل شيطاني.
وإذا كانت السلطوية قد جمدت عمل التجمعات المدنية ومنعت الاتحادات والنقابات وكل تحرك حقوقي من مزاولة النشاط في بعض الدول.. في حين سمحت الحيلة السياسية بنشوء تلك التجمعات في دول أخرى لكنها أبقتها في حيز دائرة (مع وقف التنفيذ)..
وإذا كانت الجريمة قد انتشرت في بلد ما وأصبحت كالخبز اليومي، والمجرمون نجوا من الاتهام وصار لهم شأن مهم، يحترمهم السياسي قبل المواطن العادي..
فهل من أمل بتحقيق حلم سيادة القانون؟
نعم وأمل كبير..
هذا ما تحكيه قصص أبطال حاربوا الجريمة والفساد.. لم يصمتوا بل صمدوا أمام المجرمين وسارقي أمن المجتمعات.
المؤلف الإيطالي روبرتو سفيانو نشر روايته (غومورا) عن مدينته التي يحبها نابولي والتي شوهتها مافيا كامورا وتفشت بها حد الجنون. لشجاعته أصدرت المافيا بحقه حكم القتل، لذا يسير اليوم برفقة مجموعة من الحراس، لكنه لم يخشَ من فعلته الوطنية، فدماء حب أرضه تمنعه من التوقف عن المطالبة بالعدالة.
روى روبرتو في كتابه عن شاب يكشف جرائم وحقائق تنشر لأول مرة عن مافيا كامورا التي توطنت في كاسال بنابولي وأخذت تعيث بها قتلا وتدميراً وتجارة محرمة دون رادع أو اللجوء لقانون عادل.
ولولا إيمان روبرتو بأهمية القانون ما ألف روايته المميتة.
الطاقة التي كتب بها روبرتو روايته لا بد وأن انتقلت لي أو لغيري، ما قام به ليس عملا محليا خاصا بمحبوبته نابولي، بل هو عمل عالمي يدفع عشرات الآلاف غيره من محبي أوطانهم إلى الاحتذاء به.
إنها ثقافة الوطنية تنتقل بين أفراد الشعوب المختلفة.. ثقافة المطالبة بحكم القانون.
ذلك تحديدا هو عنوان المنتدى الذي انضممت إليه قبل عامين وأصبحت عضوة به.. منتدى ثقافة القانون..
ومفهوم ثقافة القانون بحسب تعبير روي جدسن (البروفيسور في جامعة جورج تاون ومؤسس مشروع ثقافة احترام القانون) '' ثقافة تقتنع فيها الأكثرية بأن حكم القانون يتيح أفضل فرصة على المدى البعيد لضمان الحقوق، كما تقتنع بأن حكم القانون قابل للتحقيق وهي ملتزمة بالدفاع عنه...''.
''في ثقافة احترام القانون تؤمن الغالبية بأن الامتثال لحكم القانون أفضل سبيل لخدمة المصلحة العامة والمصلحة الشخصية كما لحمل الحكومة نفسها على اتباع حكم القانون..''.
هناك فارق بين حكم القانون والحكم بالقانون حيث يسنّ أصحاب النفوذ أو النخبة القوانين ويسيطرون بها على الضعفاء.
أهم ما جاء بمفهوم روي لثقافة القانون هو أن مكوناتها يمكن أن تبنى في جيل واحد فقط، بحيث يقتنع المواطنون، الذين يتخذون من القانون مثلا أعلى، أن باستطاعة مجتمعهم الانتقال لحكم القانون لكن يتعيّن عليهم وعائلاتهم وأصدقائهم تأدية دور ناشط في تعزيز ثقافة احترام القانون المطبقة والإبقاء عليها.
أهم الأسئلة التي يطرحها روي: من المسؤول؟
يقول إن الجميع يضع المسؤولية على الدولة أو الاقتصاد أو غيرهما ولا أحد يتهم نفسه.. لا أحد يحرك ساكناً، فكل فرد بانتظار أن تأتيه العدالة من المجهول..
كل أفراد المجتمع هم مسؤولين برأيه، لا الدولة ولا الاقتصاد فقط.
منتدى ثقافة القانون لا يضم قانونيين بل أفراد من مختلف المواقع. إعلاميون، منتجون، مخرجون، أساتذة جامعات، ممثلون سينما.. كل له مشروعه التوعوي الخاص، وقد يضم مستقبلا طلاب جامعات ومدارس أيضاً..
ونتطلع لتوسعة المنتدى عبر مشاركة المزيد من الأفراد وتلقي المزيد من الأفكار. الجميع يجب أن يشارك في الرسالة السامية الجديدة.
ما يهدف إليه هذا المنتدى العالمي هو نشر الإيمان بين الأفراد بأهمية القانون، وهو أصعب من مطالبة الدولة باستحداث قانون..
أن تعيد صياغة قيم الأفراد أمر به تعقيد، فكيف يؤمن المجتمع الذي يعتريه الفساد ويصمت، المجتمع الخائف من لحظة الوفاة، أن باستطاعته وحده إنهاء الجريمة؟
ويزداد الأمر تعقيدا إذا وصلنا لدول تحرم مؤسساتها الدينية العمل المدني وتتهم القانون المدني بصفته قانون كفر وبغاء.. كيف يؤمن أفراد تلك المجتمعات بأن السيادة للقانون لا لنزوات مفسري النصوص؟
كيف ننشر ثقافة احترام القانون في بلد ليس به قانون، يحتكم الجميع إلى علماء مختلفين فيما بينهم حد النخاع وتتغير أقوالهم المقدسة مع تغير أحوالهم وأوقاتهم؟
هل نطلب سن دساتير أولاً؟ أم نبدأ بتوعية الأفراد بالجريمة التي حدثت بحقهم.
الجريمة التي هي أقسى من جرائم نابولي.
في نابولي يعاني المجتمع ويعلم أنه يعاني.. أما في هذه الحالة، التي يسود بها حكم (البلطجة) وقطاع الطرق بشكلهم العصري الجديد، فيعاني الشعب ولا يعلم أنه يعاني.. مجرد توعيته بمشكلاته ستلقى هجوما من الشعب ذاته الذي خضع لأكبر علمية غسيل مخ جعلته يرى الظلم عدالة.
أجريت حوارا في برنامجي حول مؤسسات المجتمع المدني في إحدى الدول الخليجية. وجاءتني الردود..
يقولون إن مؤسسات المجتمع المدني شيطانية، التسمية البديلة: مؤسسات المجتمع الديني.
يقولون إن نقابات المهن المختلفة كفر..
مفهوم القانون بنظرهم هو الابتعاد عن الدين وحكم البشر بدلاً عن حكم الله.
فهل نضيع الوقت بحثاً عمّن شكل هذه العقلية لنلقي اللوم عليه؟ في الوقت الذي يصر روي على أننا مسؤولون جميعنا..
كنت دخلت بالأمس جدلاً مع صديق يؤكد بأنه لن يتغير شيء طالما أن الأنظمة (المسؤولة) رافضة للتغيير. قال إن جرة قلم من أي نظام بإمكانه تعليق العدالة أو الدفع بها. ''فلم تضيعين حياتك وأنت تكتبين عن العدالة؟ عن شيء لن تملكي القوة يوماً لتغييره..''.
صديقي هذا لم يحضر منتدى ثقافة القانون الذي بدأناه في إيطاليا وانتقل لأبوظبي ثم البحر الميت، واليوم أكتب هذه السطور خلال الاستراحة بين جلساته في العاصمة بيروت..
صديقي لم يتذوق حلاوة الاستماع لقصص أبطال عالميين ولم تدمع عيناه أمام مشهد أعينهم تفيض بالدموع وهم يتذكرون إصرارهم ونجاحهم في مواجهة العنف باللاعنف.. واللامدنية بالشرعية والهوية.
كل قصة رويت من أحدهم كانت دليلا كافياً على أن كل فرد هو المسؤول.
كلنا رسل للقانون.
إذا قال فرد واحد منا: لا.. فسيتبعه الملايين وستسقط أجهزة فاسدة بأكملها..
في بيروت قرأت أمام الحاضرين البيان التأسيسي للمنتدى، شعرت أني أعلن عن قيام دولة.
رغم أن المجموعة أمامي كانت صغيرة لكني شعرت أني أعلن عن تأسيس أهم حدث تعيشه الشعوب.. ثقافة احترام القانون.
.


نادين البدير

كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/alrai/Article.aspx?id=121492

* و منشوره ايضًا في جريدة الوقت البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10095


الجمعة، 20 مارس 2009

كـــــل ســـنة وأنــــتِ مـــامـــا


تذكرين أمي من علمني أن أنام تحت السماء؟
قلتِ لي إن النائم تحتها بإمكانه الإبصار، باستطاعة عينيه المغمضتين رؤية القمر وتأمل النجوم.
وتذكرين كيف علمتني أن أكره العتمة؟ أن أبقي الستائر والنوافذ مفتوحة، لأحكي مع الأفلاك وكل الكائنات؟
أنا لم أخش رواح النهار يوماً مثل بقية الأطفال.
أحببت الليل مثلك، رأيتك تعبرينه وتثبتين أن لليل ضوءا، ضوء لا ينضب اسمه أمي.
وأحببت الفجر.
صار الفجر ملكي منذ أيقظتني لأعيشه وأنا في السادسة إلى أن تخرجت.
وحين يطلع النهار، وتجتمع الأمهات والأبناء، ليست دروس أمي كوصايا الأمهات، لم ترد أن تهب البشرية إرثا جديدا من الحريم.
فلا ضيعت الوقت معنا بتجميل مهنة النخاسين، ولا أبهرتنا بحكايات الأمير والجارية الحسناء الحزينة.
(إياكِ والخوف) كان أول دروسها: نحن النساء لا يضيعنا سوى الخوف..إن أظهرت ضعفكِ قضى عليك.
أول درس كان الأهم. الخوف من المجهول الذي يسيطر على ملايين العربيات لم يعرف طريقه لنا لأنك أبعدت شبحه عنا، ربطت انتفاءه بالكرامة والشجاعة.
سردت لنا أمي قصصا عن رجال ونساء من الزمن البعيد والقريب كيف أن شجاعتهن أدامت بقاءهن، قصصت لنا بطولات شعوب الأرض التي لم تخف، التي نجت لأنها لم تخش قط.
في كل مرة أضع عيني في الأرض أتذكر أوامرها بأن عين الأنثى حارسها، والحارس لا ينم ولا تجفل عينيه. كذلك عينيها متيقظتين متوثبتين دائماً، عينا الأنثى الحقيقية، تقول أمي، تخيفان الأشرار الذين يبحثون عن صيد ثمين. يعرفونه في عينين خائفتين خجلتين معلقتين بالتراب.
لم يكن يربكني أكثر من صوتها وهي تلاحقني في كل الأوقات قائلة: ارفعي صوتك، الصوت المنخفض صوت كسير فيه إيحاء لدعوات غير حميدة وأنت في مجتمع تفسيراته ليست حميدة في معظمها.
درس النقد كان أصعب الدروس.
عدت يوماً إلى البيت لأقص بانبهار نبأ يتداوله الجميع. فاجأتني ردة فعلها كالعادة، رأي مغاير لما اتفق عليه كل من صادفته. لديها رأي خاص في كل مناسبة، لم يحدث قط أن انساقت وراء رأي المجموع، فقط لأن الغالبية اتفقت عليه.
كنت لا أفهم كيف أنك الوحيدة في محيطي العائلي التي تمتلك رأياً فردياً. وصرت أنا ممن ينادون بالآراء الفردية. ليس أخطر من التفكير بصوت المجموع.
من مكتبتك تعلمت أقرأ. تاريخ فرنسا وروايات همنغواي وألمع أسماء العربيات، منها تعلمت أن أكتب. لن يخطر ببال أحد أن أرففها الثقيلة المليئة بالدين والعلوم ملك لربة بيت تطبخ وتعتني بصغارها وصغيراتها. كما لم أنفق في صباي الكثير على الكتب والروايات، كانت جاهزة وأمامي دوماً. وحين كنا ولازلنا نلتف حولها في ساعات العصر لتسرد لنا قصص استقلال شعوب العالم بطريقتها الأنثوية القوية، يخيل إلينا لبرهة أنها كانت تعيش تلك الأزمنة.
من مكتبتك اصطدت (أنا حرة) وأخذت أتبع نهج عنوانها المثير.
أفكر عادة بما كان سيحدث لو لم أتطفل على كتبك وأقرأ ما تقرئين. لو أني كنت بنتاً مطيعة للطفولة واكتفيت بماجد ولولو.
وأتساءل أني حين كنت أنشد الحرية، هل كنت أتحرر منك أم لأجلك؟
خشيت أن أتحول لحياة العطاء اللامحدود. عطاؤك الذي ليس له شبيه.
إنسانة واحدة لا تعرف أن تأخذ أبداً، لم يحدث ورأيتها تأخذ. هي أمي.
وتعلمين أني في بعض الأحيان كرهت الأمومة منك؟ جعلتني تضحياتك الجليلة أربط الأمومة بالفناء.
أنجبتنا وتخلت عن كل شيء، حتى عن الحلم. كان خيار أبي إما طموحها وإما نحن فاختارتنا. تركت العمل والحرية وتخلت عن الاستقلالية، اكتفت بأن تحكي عنها فقط.
كثيرا ما جرفتني الأفكار فظننتها قد ندمت على حياتها الأولى، وأنها تنتظر سفرنا أو زواجنا لتهدأ وترتاح من صخبنا.
لكنهما حين جلسا (وحيدين) على طاولة طعامنا التي أصبحت شبه صامتة بعد أن باعدتنا الحياة قليلاً عن حضن أمي.. أسمعها اليوم تقول لأبي: تلك سعادتي، كانت وأنا أراقب شجارات أطفالي وضحكاتهم على مائدة الغداء، تلك تريد الجلوس بقربي وآخر بقربك، كانت أذناي تطربان لسماع ذلك النزاع الطفولي الذي أرهقك.
لم أعلم قبلها أن أمي كانت سعيدة بشجارنا وضحكاتنا المرتفعة، حسبت أننا كنا نؤرق صحوتها ومنامها ونذكرها بماض سرقناه منها، لم تفصح يوماً عما يمكنه أن يسعد قلب الأم.
الأم التي لم تفرق مطلقاً بين تربية ولد وبنت..
أمي التي دفعتنا دفعاً ليكون لنا أحلام.. قالت إن العمل والسفر يكونان الإنسان.
ماما التي لا أذكر أنها عانقتنا بأيديها يوماً، لكنها حتى اللحظة تحيط أرواحنا أينما ذهبنا بهالتها الحنونة.
وأنا صبية..
كم كرهت شعري المعقود. وكم حقدت على ضفائري. كنت أحلم أن أنثر شعري في الهواء دون وثاق. حلمت أن أفك عنه الشرائط والألوان، أقسمت أني سأحله يوماً وسأفك كل رباط.
وبعدما حطمت حائط الممنوعات، وبعد لهاثي وراء موجة الأحلام.
اشتقت وأشتاق لضفيرة تجدلها أمي. بل ضفيرتان ترميهما على كتفي.
وحنيني مرير لمشط قديم كانت تؤلمني أسنانه.. لو أني تركتها لتغرس برأسي كيفما تشاء.
وأنا صبية..
كنت أجن حين تسألني متى تعودين وأين تذهبين.
'' لقد كبرت، وما عاد من حق أحد سؤالي''
أعود لنداءاتها، أصطنع الخروج فتتنبه: أين أنت ذاهبة؟ يغمرني فرح وأجيب: لا يهم، لن أخرج. سأبقى عند قدميك.


نادين البدير

كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=119858

* و منشوره ايضًا في جريدة الوقت البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10021

الجمعة، 13 مارس 2009

في معرض الحرام...


نكتة حقيقية جرت أحداثها في معرض الكتاب الأخير بالرياض.. حيث شاركت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعرض ممثلة عبر مكتبها وجناحها الذي تعرض من خلاله منجزاتها الاجتماعية.. جناح الهيئة كان الجناح الوحيد بالمعرض الذي لا يعرض كتباً، ويتميز عن بقية الأجنحة بعرض زجاجات مشروبات روحية وملابس نسائية وطلاسم سحرية تم ضبطها. يقول المسؤول عن الجناح انه لا يوجد لديهم ما يبيعونه وتقتصر معروضاتهم على المنكرات التي يضبطونها في جولاتهم..كما قامت الهيئة بتحويل عشرين إلى ثلاثين كتابا يومياً إلى إدارة المطبوعات للفحص..
نجاح الهيئة لا يشاطرها به أحد. الهيئة التي تنبذها الملايين تمكنت من الوصول إلى محفل العلماء بل ومزاحمتهم في الأجنحة والأركان..
في معرض المنكرات، كان من المناسب أن تشارك الهيئة فتعرض الفسق والمنكر مثلها مثل بقية المؤلفين والأدباء. معرض الكتاب صار معرضاً للحرام.
في جناح الهيئة عرضت الطلاسم السحرية بدلا عن الكتاب...
الرسالة تقول: المفكر زنديق كالساحر.
لسان حال الهيئة يقول للجميع: الآخرون لا يبيعون كتباً بل فسقا.
عرضت الموبقات في محفل للثقافات والإبداعات.
ليس الهدف إعلان عن حرام قدر ما هو سباق لتحويل السطحي إلى محور للفكر العام بدلا عن دوران الفكر حول رأي لهرطقي أو قول لزنديق. تماما مثلما تحول قياس اللحية والثوب لوهم ثقافي.
*
لكن ما حدث في معرض الكتاب بالرياض ليس حالة خاصة بفكر منتشر في السعودية. إنها حكاية المعرفة عند العرب، وقصتهم مع المطالعة.
صحيح أن ولا معرض كتاب عربي يصيبه الذي يصيب معرض الرياض فيشوهه ويضيع حلاوة الاحتفالية السنوية بالعلم. إلا أن الفكرة العربية واحدة في مختلف ومعظم الأماكن: لا تقرأ.
مثلما اقتيد المثقفون إلى المحارق ليشتعلوا أحياء زمن محاكم التفتيش، يقتادون الآن إلى مقصلة التكفير، تشوه سمعتهم، ينفون للخارج، يتعرضون للذل حالهم حال المجرمين وسافكي الدماء. وسفك دم الجهل جريمة ليس لها صك غفران.
ما يحدث في المنطقة العربية وتحديدا في الأماكن التي يقتات بها المتطرفون، نسخة جديدة من عهد الانحطاط الأوروبي. لكن قرون الظلمات الأوروبية انتهت منذ مئات السنين، فكم سيتطلب الوقت في المنطقة العربية للخروج من العتمة التي تخيم عليها. وهل هناك أمل بعصر نهضة عربي؟
معرض الكتاب الحقيقي كتبه لا رقيب عليها، ولا تلوثه لائحة سوداء لمحظور أو ممنوع.
هذا المعرض الحلم يعجل من فرص النهضة، زيارته لأي مدينة أو عاصمة تهدد من يعتمد مبدأ التعتيم نهجاً، ليس غريبا إذاً أن تعد له العدة مسبقاً.
يتجول الجاهل في معرض الكتاب لتقييم المعلومة وتحديد مقدار الجرعات الثقافية الموجهة للأفراد وفحواها أيضاً!
سخروا من المثقفين في عقر دار الثقافة، أرادوا أن يثبتوا للجميع سلطتهم التي تفوق الفكر، وأثبتوها.. بعثروا المتجمعين، منعوا الاختلاط (رغم أن قضيتهم لا تمت للاختلاط بصلة) أهانوا الكتاب، ساقوا المفكرين للتحقيق.. تعدوا على كاتبة وحرموا قراءها من توقيعها.. فعلوا كل ما يحلو لهم.
ولم يعاقبوا، انتقدوا صحافياً فقط.
لم يعاقبوا لأنهم لم يكونوا يعبثون في السنوات الثلاثين الأخيرة، عملوا جاهدين حتى تمكنوا من توسعة دائرة مناهضي المعرفة، امتدت الدائرة لتشمل الشعوب. ما عاد المسؤول يلاقي صعوبة في منع الناس عن القراءة، صار قرار الحظر يصدر من الأفراد أنفسهم. حتى وإن دفعهم الفضول للقراءة فإن حكم التكفير جاهز ضمنياً وقبل البدء بالصفحة الأولى.
أذكر معرض الكتاب في المدرسة. دخلت بعض الطالبات وصرن ينصحننا بصوت مرتفع: ابتعدوا عن لهو الكتاب يا بنات، واشترين كتب الدين فهي ما سينفعكم في الآخرة. ولهو الكتاب بنظرهن كانت روايات الأدب العالمي المترجمة والألغاز وقصص أغاثا كريستي البوليسية وأخرى عاطفية.
فهمنا، قرأت اليوم دينا، وغدا دينا وبعد غد دينا والذي بعده، ثم ماذا في غرف الانتظار (العربية) بالصالونات وعيادات الأطباء، يندر أن تصادف الكتاب، وإن حدث وأخرجه أحدهم فكتاب أذكار وأدعية.
أما سائق التاكسي (بالعالم المتحضر) فيمسك كتابا بانتظار راكب، وبائع الساندوتشات يقلب الصفحات بشغف بدل الثرثرة بانتظار زبون. ومحصل التذاكر وركاب الميترو. الشعب كله يسير وهو يقرأ، يقرأ كل شيء ودون شروط.
تسير القاعدة الشعبية العريضة وهي تقرأ. هكذا تفسر أسس الحضارة. حيث القاعدة تحتل القمة. وحيث الهرم مقلوب.
لكنهم كفرة.

نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=118260

* و منشوره في جريدة الوقت البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=9947



الجمعة، 6 مارس 2009

تقبيل الأيادي: وهم الترابط العائلي


في لقاء تلفزيوني دار جدل بين الأميركية ناديا سليمان (التي أنجبت ثمانية أطفال لينضموا لإخوتهم الستة الآخرين) وبين والدتها التي تكاد تجن من عدد المواليد المحرج الذين ستصطحبهم ابنتها أينما ذهبت أمام مرأى الجميع في بلد عدد أفراد الأسر به محسوب بعناية.
العدد 14 أذهل الشارع العام الأميركي ونال تغطية إعلامية ضخمة بسبب طريقة الإنجاب دفعة واحدة وهول العدد، وصارت أم الـ14 حديث البرامج والصحف والمجلات.
لعل أصلها الشرقي قد شدها للعائلة الكبيرة، ودفعها لإنتاج كم هائل من الأطفال دون التفكير حتى بكيفية إعالتهم، إذ كان حلم حياتها كما تقول تكوين عائلة كبيرة..
العائلة الكبيرة...
مفهومها يعني أبناء وبنات وعدد كبير من الأحفاد وعدد أكبر من العلاقات المتناقضة فيها الحب والشر والصداقة والغيرة والحسد.
كأنها قرية صغيرة محيطها المنزل الكبير. لا يهم أن يكون أفرادها وحدة واحدة فالمسألة تتعلق بالكم وليس بالكيف ولا بالنوع. ولو أنها تعلقت بالنوعية وبروابط المحبة الخالصة لاقتصر الأمر على ثلاثة أو أربعة أبناء.
ولا يهم أن يمتلك مؤسس العائلة الكبيرة القدرة على التعامل مع كافة الأعمار من أبنائه، فلا شيء يضاهي الشعور بفخر الإنجاب المتواصل وبفحل لا يشيخ.
على حساب مَنْ؟
يعرف أبي شخصاً لديه خمس وأربعون ابنا وابنة. كان يسير في الشارع برفقة أبي حين جاء طفل تاركا رفاقه يلعبون وتوجه نحو رفيق والدي وشرع يقبل يده. مد الرجل يده للطفل وسأله وهو يقبلها: ما ألطفك، ابن من تكون؟ تعجب الطفل ورد منكسراً: أنا ابنك.
سألت أبي: طالما أن الرجل لم يعرف أنه ابنه، لما سمح له بتقبيل يده؟
أجابني: طبعا هذا كل ما شد انتباهك في القصة! أقول لك إن المصيبة أنه لا يعرف أشكال أبنائه.
قلت له أمازحه: وأنت كم حفيد الديك؟ فكر لبرهة قبل أن يجيب: والله يقولون صاروا ستين.
«عدم معرفة أشكال الأحفاد أهون بكثير».
ما شدني بالفعل في القصة هو الطقس الأبوي الذي يمارس محلياً عبر العصور. عادة تقبيل الأيادي.
تقبيل يد الغير بصفة عامة فيه خنوع ومذله وإسقاط للكرامة، تمرد عليها الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز قبل سنوات عدة ومنع تقبيل أيادي المسؤولين بأمر ملكي كخطوة لتخليص النفس الحرة التي تأبى الانحناء لغير الله.
أما عائلياً فعرف عنها أنها عادة حميدة ومحببة، فيها احترام للكبير وشعور بالتقدير نحوه. لكن تلك العادة صارت تشير إلى طقس رسمي والمستفيد طرف دون الآخر..
هي إعادة تعريف يومي للدرجة الأسرية للفرد ورتبته العائلية. تقبل اليد في الصباح فلا يعود بإمكانه الوقوف أمام أبيه وجها لوجه لقول كلمة لا.
كلما اجتمعت العائلة أرقب ردة أفعال الكبار عندما تقبل أياديهم.. كان جدي حين يصافح أمي يقبل جبينها فتفاجئه بمحاولة جديدة لتقبيل يده، ولم تنجح محاولاتها على مر السنين إذ كان يسحبها فوراً. وهي بدورها اليوم تمارس ردة فعل أبيها تجاه ذلك الطقس العربي فلا تسمح لنا بتقبيل يدها حتى لو حاولنا أن نشدها رغماً عنها. وعلى النقيض فإن أول ما تفعله يد أبي عند إقبالنا لتقبيل وجنتيه هو الارتفاع إلى مستوى يشير إلى أن اليد أولاً، وقبل الخدين.
بعض الآباء تجاوزوا تلك النشوة الظاهرية إلى ما هو أهم، إلى أبنائهم، وبعضهم غرق بحلاوة الفوقية.
كيف هي العلاقة بين أب وعشرين أو ثلاثين ابنا وابنة؟ وكيف يمكن لأم 14 أو 12 أن تعي متطلبات الجميع.
الرابط بين الأب وأفراد العائلة الكبيرة يفتقد للعمق أحياناً وينحسر إلى قبلة على يد، خالية من أي واجبات أو مسؤوليات أبوية.. والبقية الباقية من الواجبات والعواطف والصداقات مع الأبناء تحملها أكتاف الأم وحدها.
دائما نعجب منها. مقدرة أمي على معرفة احتياجات كل من في البيت مذهلة. وفن إنصاتها لابنائها لا مثيل له. لكن ذلك كله يستنزف من عافيتها ومن عمرها. وهي تصر على أن ذلك الاستنزاف مصدر لسعادتها. العائلة الكبيرة تستنزف النساء الأمهات. ففي العمر الذي ينبغي عليها الالتفات لنفسها والتمتع بالدنيا.. يكون جيل جديد من أبنائها قد دخل سن المراهقة وعليها الالتزام بتهذيبه.
لا أظن أن حلم الأمومة قد خلق مع جميع النساء، بل نحن صنعناه. وأبقينا حياتها رهنا بإمكانية تحقيقه على أكمل وجه.
في صغري كانت أمي كلما حبلت أمازحها قائلة: هناك ارتفاع مطرد في السكان وأنت تساهمين بتقليص الوقت الذي يفصلنا عن الانفجار السكاني.
ترد بعصبية: اسكتي بس، كل وحدة تتمنى يكون عندها اخوات.
- فهمنا اخوات، مو عشيرة كاملة في بيت واحد..
الآن أخبرها أن أجمل شيء فعلته لأجلي هو إنجابها لشقيقاتي وهن صديقاتي الوحيدات. هذا جانب العائلة الكبيرة المشرق.
الجانب المظلم يعرفه الجميع، ليس أسوأ من إخوة بالدم وعلى الورق فقط، دون أدنى شعور عاطفي تجاه بعضهم البعض.
لذا فتنظيم الأسرة يعني جرعة قليلة لكن مركزة جدا من الأبناء المترابطين. تنظيم الأسرة يعني التزام باحتواء الابن إلى أن يكبر بدلا عن رميه بيد الأقدار وانشغال الأب بتكوين مزيد من الأجنة فيما يقف الابن منتظرا دوره في الصف الطويل للانحناء وإلقاء القبلة الرسمية.
ليس أفضل من تحديد النسل كوسيلة لأسرة مثالية وكاملة.
حين توصلوا لتنظيم الأسرة عربياً تغاضوا عن مسألة مهمة وهي: من يحق له أن يكون أبا ومن لها حق الأمومة.. على عكس الغرب الجميع هنا بلا استثناء يمتلك هذا الحق.. أما هناك فيسحب الحق بأمر من السلطات إن لم يمارسه الأبوان على أكمل وجه ملتزمين إزاء الأبناء بحياة كريمة خالية من جميع ألوان العنف حتى النفسي.
رضا الأب مسألة روحية وليست مجتمعية فقط، لكن ماذا عن رضا الابن. وواجبات الأب تجاه ابنه أو ابنته.. أليس من أنجبهم مسؤولا عن رعايتهم معنويا لا مادياً فقط؟
أليست مسألة واجب وضمير أن يعمل على التقريب بين أبنائه وعدم الاكتفاء بتقريبهم من كفه فقط؟


نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=116622

* و منشوره في جريدة الوقت البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=9868

الجمعة، 27 فبراير 2009

في ذكرى التحرير


كانت الساعة السادسة من صباح كئيب حين استيقظت على خبر ينقله مذيع الـ«بي بي سي»: لقد اندلعت الحرب في الخليج.
كنت في المدرسة، وبدلا عن إجازة منتصف العام المعتادة منحنا إجازة يحلم بها أي تلميذ، إجازة مفتوحة بأمر ملكي حتى إشعار آخر.
وللمرة الأولى تمر العطلة ببرود وبطء ثقيل، كثقل السنة الرمادية التي كانت تعبرنا وتهدد كل ما حولنا حتى أحلامنا.
26 فبراير: انتهت الحرب وتحررت الكويت. تحررت من كل شيء. وتحررنا نحن. من الحرب. من الدمار. أهمه الخوف من المجهول.
عادت الأحلام بمستقبل أفضل لمجاريها، لكن مخلفات الحروب مثل تجارها لم تغب عن الساحة، بل شكلت مستقبلاً غيّر خارطة الأحلام.
الحرب كانت منعطفاً للظاهرة الإسلامية، برز التكفيريون، وخرج الخطاب الديني الصحوي، وأخذت (وما زالت) الحركات الدينية ذات الفكر السياسي تمارس دورها في تسييس الشارع في منطقة الخليج. كما نجحت موجة من الفتن الطائفية والعصبية القبلية والفتاوى الفوضوية من أن تحط رحالها في المنطقة كلها. مخلفات الحرب كانت احتلالا جديدا بحد ذاتها للخليج بأكمله. تحررت الأرض واستعمرت الأدمغة..
حين قرر أبناء وبنات الكويت أن يرسموا خطوط التحرير عند أول لحظة احتلال، قبل أن يحسم قرار التحرير على طاولة قوات التحالف، فإنهم بالتأكيد كانوا يقصدون كويتا خالية من النعرات والفتن.
وحين شارك جنود السعودية بتلك الحرب فإن عامل الوطن هو الذي جمع أولئك الجنود على الجبهة تلك الأيام... لم تكن حرباً ضد الكفر. كانت حربا من أجل السلام.. والهدف لم يكن إنقاذا للقبيلة أو فوزاً برتبة مذهبية بل الحصول على رتبة روحية وطنية..
أما فضاء الخليج اليوم فتملؤه النعرات الطائفية ومهرجانات الشعراء. الزهو بالقبيلة وبالمعتقد صار شأناً عاديا بدلا من اعتباره جاهلية، التقليل من شأن الآخر سمة الشخصية الخليجية الجديدة.
* * *
- مدهش ما كان يصلنا عبر الإذاعات والقنوات التلفزيونية القليلة آنذاك التي تبث أخبار المقاومة الكويتية.. كنا نستمع لقصص عن بطولات الأهالي وعن التحاق النساء والشابات بعناصر المقاومة.
أحاول أن أتذكر. ليس من وجه لجندي واحد مطبوع في ذاكرتي رغم آلاف الوجوه التي رأيتها عبر التلفاز. وحده وجهها لم أتمكن من رؤيته لكني لم أتمكن من نسيانه.
واحدة من الباسلات.
كانت ممتلئة وطويلة القامة بعض الشيء تلثمت وارتدت نظارات شمسية ربما كي لا يعرفها أحد.
أمسكت سلاحها أمام الكاميرا بشجاعة وأخذت تروي بحماس لا نظير له وبصوت مرتفع حكايات وقصصا عاشتها أثناء الغزو. أشارت بيدها إلى زوايا الشوارع وبعض من المنازل حيث كانت تدور المطاحن والمدينة خالية إلا من هاتكيها والمدافعين عنها.
كانت نموذجا لنساء رفضن مغادرة الأرض وفضلن الموت لأجلها، كن جزءا من حرية الأرض، اليوم يحاولن أن يلملمن أجزاء حريتهن المبعثرة. وتحاول أن تقف لهن مخلفات الحرب بالمرصاد متناسية نضالهن القديم. مجرد محاولة، فامرأة شاركت باسترداد وطن لن تعجز عن صناعة هوية أو الاستمتاع بالحرية.
احتفلت الكويت بالأمس بمناسبة الاستقلال والتحرير، هنيئا للكويت وهنيئا لنا جميعا بذكرى التحرير.

نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/alrai/Article.aspx?id=113639

* المقاله منشوره في جريدة الرأي البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=9796


الجمعة، 20 فبراير 2009

امرأة لإنقاذ التعليم


عدوى ادخال النساء للحكومة انتقلت من دول الخليج الى السعودية...
نورة الفايز نائبة (وليس نائب) لوزير التربية والتعليم لتعليم البنات في التشكيلة الوزارية الجديدة.
البعض قال انهم اختاروها كونها امرأة. والبعض أكد أنها الأنسب للمنصب. بغض النظر. فان التغيير الوزاري الذي طال التعليم، مثلما طال وزارات حساسة وهيئات أكثر حساسية، يوحي بأن خط التعليم قد يكون في مساره الصحيح للمرة الأولى.
التعليم مشكلة المشاكل المصيرية في حياتنا. أخطاء تعليمية كبيرة ارتكبت بحق المواطن العربي، في الطفولة والمراهقة وبدايات الشباب.
لا أعرف أحدا لم يكن يقوم متثاقلا للمدرسة. المدرسة واحدة من هموم الصبا. مملة، منهكة مليئة بالممنوعات ومناهج الحفظ القاتلة للابداع.
النظام التعليمي ضعيف ومتهم بانتاج الارهاب.
التعليم في العالم العربي واحد ومتشابه. قد يكون أكثر تطرفاً في بلدان دون الأخرى لكنه في النهاية واحد.
أهم ركائزه عزل التلاميذ عن الحضارات الأخرى. تأسيس مبادئ الالتفاف حول الذات وحول الأنا العربية.
أهم مبدأ يقوم عليه درب التعليم العربي خصوصاً الخليجي هو التفكير بروح جماعية، والغاء الفردية... معتقدات صريحة واضحة للطفولة والشباب من الجنسين تبعدهما عن التفرد بالتفكير وتجرم الأسئلة، لأن الاجابات غير موجودة في الأصل.
الجواب الجاهز والوحيد: لا تقربوا الحدود...
في مدارسنا هناك عداء واضح بين العلم والدين... رغم أن مطالبات القرآن واضحة بالتدبر والتفكر الا أن واضعي المناهج الدينية تمادوا بخلق الكراهية بين العقل وبين العلوم الدينية.
- دروس الرياضيات والفيزياء التي تشترط الاثبات والتحليل تتناقض ودروس التوحيد والفقه الداعية للتسليم والاستسلام.. لكن الأخيرة تفوز دوماً فالطمع بالحور والخمور يدغدغ سنوات المراهقة.
- دروس قائمة على فكر تخريبي للقيم والأخلاق.
- تغذية التلميذة بحقيقة مفادها أنها جوهرة (أنها حجر صخري) ومن ثم تغذيتها بقوانين معاملة الأحجار. تلقين قوانين العبودية كحقوق الهية. تدريس مبادئ الفصل والتمييز الجنسي عن الرجل كهبات ذكورية.
- تعليم مذهبي طائفي... مبني على وجهة نظر واضعها المذهبية للتاريخ والعلوم.
- المكتبات الجامعية والمدرسية تكاد تكون فارغة الا من العاملين بها.
- اهمال تام للبحث العلمي وعدم اعتماد ميزانيات كافية له.
- البيئة التعليمية والظروف المناخية داخل المدرسة خانقة. أسوار مدرسة البنات أشبه بحبس انفرادي.
كان طبيعيا أن يحلم الكثير من العرب بتدريس أبنائهم في الخارج. لماذا؟
هم يعلمون قيمة جامعات الغرب وعلماء الغرب... ورغم رفضهم الظاهري للغرب فلم يتمكنوا يوماً من ايقاف الحلم بجامعاته المتقدمة.
لكني أعتقد أن مسألة عودة هؤلاء الأبناء كما ذهبوا مسألة واردة، فالعرب خصوصا الخليجيين متمسكون بروابط الجماعة والتفافهم حولها أينما ذهبوا، معروفة شوارعهم ومقاهيهم في كل دولة... الانغلاق في بلاد الانفتاح أمر طبيعي من أناس تشربوا محاسن الانغلاق داخل المجموع وايجابياته الدينية والعرفية...
يترافق التغيير الذي لحق بوزارة التعليم السعودية مع الاهتمام الواضح بالبعثات التعليمية، فالانعزال عن الآخر أثبت فشلاً ذريعاً في امكانية اقامة دولة متحضرة... ما الهدف من البعثات التي وصل عدد أبنائها لعشرات الألوف؟ وما الجيل الذي يرمي لتكوينها مانح الهبات العلمية (الملك عبدالله بن عبدالعزيز) كنتاج لتلك الرحلات التعليمية؟
هل بالامكان نقل التجربة التعليمية الأميركية أو البريطانية أو الاسترالية والفرنسية الى أراضي شبه الجزيرة؟
هل الهدف هو نقل العلوم أم نقل الحضارة أيضاً؟
هل ستنقل ثقافة الاختلاط بعدما يتكشف للطالب والطالبة أن المخلوق الذي كانا يخشيان منه انما هي زميلة أو زميل عليهما معاملته بود؟
وما المعيار الذي يبنى على أساسه نجاح أو فشل البعثة من تحقيق أهدافها؟
التنظيم الذي تشهده حركة ارسال المبتعثين والمبتعثات للخارج وسلاسة الالتحاق والتشجيع المتواصل على التسجيل وقبول أكبر عدد ممكن من المتقدمين والمتقدمات... دلائل على ثورة ملك لأجل الحضارة لا لأجل العلم فقط.
فتيان وفتيات من قرى نائية بعضهم لم يغادر بوابة قريته قط الا للالتحاق باحدى جامعات نيوزيلندا أو الولايات المتحدة.
عملية تهجير موقتة لآلاف المواطنين والمواطنات من الأرياف ومن المدن تقوم بها الدولة لمصلحة الدولة والشعب كذلك.
هل ينقذنا الغرب؟
وهل تصلح ما صنعه تعليم الداخل غير جامعات الغرب؟
ما حدث كان كافياً، ما حدث سمي ارهاباً، ومن لم يتخرج ارهابيا فانما بفضل وعي الأهالي وملاحقتهم لكل معلومة دينية يتلقاها الابن أو الابنة.
أما عن حال المدارس الحالية، فليس من باب العنصرية لكن لا ضرر من التكهن بقدرة العنصر النسوي على تغيير ما لم يستطع الرجل تغييره خصوصا في منطقة حساسة. منطقة التربية والتعليم. وهذا تخصص نسوي بجدارة بعد عقود طويلة في المنزل مع الطفولة ونفسية الطفل وعقلية الصبي وطلبات الشابة.
والسؤال هو ما مدى ايمان السيدة نورة الفايز بأخطاء فادحة ارتكبت بحق تعليم الاناث دينياً وأخلاقياً... وما مدى سلطتها على شطب وحذف عبارات ومأثورات شطبت مستقبل التلميذات؟


نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/alrai/Article.aspx?id=113639

* المقاله منشوره في جريدة الرأي البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=9722


الجمعة، 13 فبراير 2009

فالنتاين بمقاييس عربية


قبل أعوام عدة كانت بداية عهد الحب العربي بمفهوم الفالنتاين.. أصبح مثار جدل الجميع بين الحرام والحلال وأصله المسيحي وكارثة الدخيل والغريب على الثقافة العربية..
كيف يكون للحب عيد؟
لو أن الفالنتاين كان عيد معركة اقتتل فيها البشر لاستقبل بالأهازيج. مثل عيد الاستقلال.. مثل ذكرى الحروب.. وكل ذكريات بغض بشري.
لكن مسألة الاحتفال بالسلام العلني بين الجنسين توقظ مخاوف دفينة، وتقضي على إنجازات أبدعت بتأسيس ثقافة الشك والخوف تجاه الجنس الآخر كأقرب وسيلة للخلاص من اتحادهما..
لا أعلم إن كان المؤسس الأول ذكرا أم أنثى لكن ملايين النساء والرجال اتبعوه وسلكوا نهجه في كراهية النصف الآخر.
في منطقتي صودرت ولا تزال تصادر الورود الحمراء من كل المحلات، رغم أن ورودنا مستوردة ولا رائحة لها، لا يعود اللون الأحمر متداولا في يوم الحب.. كل ما هو مصبوغ بالأحمر القاني يتحول لبضاعة رائجة وثمينة في السوق السوداء. مجرد التفكير ببيعه أو محاولة اقتنائه يؤكد على تبعية البائع والمشتري للقديس فالنتاين..
وفي مصر دعا أزهريون لإيقاف الاحتفالات بالحب على طريقة الغرب والورود الحمراء.. دعوا الشرطة لتفريق المحتفلين ولو اضطرهم الأمر لإيقافهم ومحاكمتهم..
طالبوا بنشر الحب الذي يتناسب والشريعة. هل هناك حب إسلامي وحب مسيحي وآخر بوذي؟ أليس الحب شعورا عالميا؟
كيف يؤسلم الحب؟ ويمنح مقاييس شرقية أو عربية؟
هل توزع أشواك الصحراء بدلاً عن الورود؟
الكل يحذر من العيد الوثني.. هناك بقايا وثنية كثيرة في حياتنا.. صلوات وقرابين وطقوس حضارات مختلفة.. كلها بقيت إلا الحب استبعد.
إرث الحب لم يوافق أهواءنا.. صرنا محصنين ضده، بالأدعية، وبالمحاضرات والتربية وكل ما حولنا شدد على أن الحب خطيئة وثنية..
قبل أن يجرم المحبون ويوصفون بالهراطقة، كان الشاعر القديم يحترم محبوبته. وبعد أن صنف الحب ضمن الممنوع. كره المحب امرأته. صارت رمزا لخيانة العشيرة والتقليد والعرف. غدا الانتقام من مشاعرها واستباحة جسدها ورميه باسم الشرف أمرا مشروعا ومباحا.
كيف يمكن لرمال الصحراء الجرداء أن تحتضن الحب زمن الجاهلية وتعجز عن إنجابه زمن المدنية؟
* * *
أين يحيا الرومانسيون والرومانسيات؟ وهل هناك مكان لأحلامهم على الأراضي العربية؟
هل باستطاعة المواطن المقموع أن يحب.
هل للسياسة دور في إحياء الرومانسية أو إطفاء ذكرها؟
انشغل السكان بالأساسيات.. بالفقر، بالمرض والتفكير بإشباع الغرائز الأولية. صرفت الغالبية عن التفكير بالسياسة والحب والفنون. تلك كماليات خاصة بالارستوقراطيين. أما الغالبية فتصنع الجنس ولا تمارس الحب.
إذ كيف يحب مقيد الفكر؟
كيف لأوامر الحب أن تصدر من عقل معطل؟ عقل خائف حد الموت.. من جسد مرتعش، من نفس مقهورة وقلب مطحون..
قصص الحب الحقيقية لا تنجب في مناخ مسجون، إلا ان كان أبطالها ثواراً.
الحب وليد الحرية..
* * *
حالة حب
هي بالمجمل شيء ما يسري بالصدر ولا يمكن تفسيره، ما يعلمه المرء فقط أن حياته ستكون أجمل بجوار هذا الشخص بالتحديد بتفاصيله الدقيقة.. طريقة سيره ونكاته وشعره المنكوش عند الاستيقاظ .. حتى التفاصيل الحياتية الصغيرة يصبح لها معنى آخر بوجوده.
شوهها العلماء حين وضعوا تفسيرا علمياً لها..
ظاهرة كيميائية تنشأ في داخلنا.. نصادف شخصا فتتجمع المشاعر في العروق. ويقوم الأدريناليون بتسريع خفقان القلب، ترتجف الأطراف، ويرسل العقل إشارته لجميع الأعضاء لتتصرف على غير عادتها.. يفرز الجسم والدماغ مواد كيميائية تجعلنا نشعر بالراحة والاطمئنان والسعادة والأمان.. تلك المواد تسبب إدمانا حين يعيشها الإنسان، لذا يشعر بالضياع والخوف حين يبتعد الحبيب.. فالدماغ قد توقف عن إفراز الاندروفين وغيرها من المواد التي كانت تسري في الأعصاب والدم ..
حالة الحب علمياً هي تغييرات هرمونية لا أكثر ولا أقل..
واعتقد عدد من الفلاسفة والعلماء بأن هناك ذرات متناثرة في الكون تبحث عن بعضها البعض حتى تلتقي وتتكامل ويحصل عندها ما يسمى بالتوازن الكوني.
وفي حال توافقت الروح مع الجسد يحدث الحب الأبدي..
ولا أعلم ماهية الحب الأبدي.. فلم نعاصره خصوصا هنا.. كل أنواع الحب موقتة زائلة.. وتلك التي دفعت أصحابها للارتباط الاجتماعي تم اكتشاف زيف عدد كبير منها لأن الخيانة إرث اجتماعي طبيعي، والتقاء الذرات المتناثرة ولا أسهل..
كثير من السيدات عرفتهن قبل زواجهن، كن يحتفلن بالفالنتاين بكل سعادة وبعد الزواج بسنوات عدة صار عيد الحب محرما برأيهن ومن مخلفات الجاهلية.
تجمع كل شيء في البداية.. الهرمونات، المواد الكيميائية، الخفقان المتسارع، الانجذاب الكيميائي عدا شيء واحد لا علاقة له بالتغييرات الجسدية وفهم العلم لها..
إذا كان الاحترام والإخلاص هما أساس العلاقات فمن يتقن فن الاحترام.
هل يقبل الشرق أن تتحد الأجساد والأرواح، أن تنشر قيم الإخلاص.. الشرق الذي يحرض على تكفير الحب.. ويعادي الطبيعة فيعتبر التغييرات الهرمونية أمرا محرما تجب الوقاية منه ومن أسبابه.. هل يقبل أن تحترم الحبيبة؟ أم أن تنتهك كرامتها؟
وإلى كم حبيب يتسع قلب الشرقي أو الشرقية؟
بعض العلماء يعتقدون أن حال التغيير الهرموني صعب أن تحدث إلا حين يعاني الإنسان من فراغ عاطفي وهذه الفرضية تمحو إمكانية حدوث الحب بمعناه العلمي مرات عدة في آن واحد. قد يمنحنا الفالنتاين القدرة على التمييز بين الحب والإعجاب الموقت.. بين الحب والصداقة. بينه وبين رغبة جسد جامح. بين الكيمياء الموقتة وبين اتحاد الأرواح والأجساد.
سيهنأ اليوم بالفالنتاين من يعيش حالتي الحب والاتحاد الكاملين.
وهناك من سيقضي العيد وحيداً.. وهناك من سيقضيه بأداء تمثيليته السنوية الروتينية.. هناك من سيعترف باضطراباته الحبيسة.. بارتكابه أسخف السخافات لأجل رفيق درب لم يشعر بوجوده بعد.. وهناك من سيقرر مباركة حالته برباط مقدس..
حتى وإن مر العيد عليك وحيداً.. كثيرون يؤمنون بأن أسعد حالات الحب هي التي تكون خالية من أي مصالح وأي رغبات. الصداقة أجمل حالات الحب. حب الإنسانية. أي أن الحب بمعناه الواسع وليس الضيق يمكنه أن يعوضني عن حب رجل أو يعوضك عن حب امرأة.. طالما أن هذا الأخير ليس سوى هرمونات وذرات متطايرة قد تنضب بعد ساعة أو بعد سنة..


نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=111933

* المقاله منشوره في جريدة الرأي البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=9641

الأربعاء، 28 يناير 2009

عيد مساواة سعيد


في مثل هذا اليوم ( الثامن و العشرين من يناير من عام 2006 ) ، ثم بث أولى حلقات برنامج مساواة الرائع ، و الذي تعده و تقدمه الإعلاميه الراقيه نادين البدير ، و التي إستضافت فيها الصحافيه و الكاتبه العربيه السعوديه إيمان القحطاني و عضو مجلس الشورى الدكتور محمد آل زلفه ، و كان موضوع الحلقه عن قيادة النساء للسيارات في المملكه ، أما آخر حلقه بثت فكانت بتاريخ العاشر من يناير و تمت فيها إستضافت الدكتور فاطمه الصايغ و كانت الحلقه عن اوضاع المرأه و الإصلاح الإجتماعي ، و قد تم بث إعاده لحلقتين سابقتين في يومي السابع عشر و الرابع و العشرين من يناير إحداهما مع الإعلاميه العربيه السعوديه هدى الرشيد . برنامج رائع بقيادة إعلامية شابه و متمرسه و شجاعه إسمها نادين البدير . 3 سنوات مرت علينا كنسمة الهواء . بلغ عمر " مساواة " 1122 يوم ، 13 ساعه ، 50 دقيقه ، و 23 ثانيه ( حتى كتابة هذا التقرير ) . و بلغ عدد حلقات هذا البرنامج الرائع 138 حلقه بدون الإعادات ( 161 حلقه متضمنه للإعادات ) .
لقد كانت ثلاث سنوات متميزه مع إعلاميه متميزه ، شكرًا لك يا نادين على هذا العمل الجبار الذي منحتينا من خلاله الكثير . ثلاث سنوات من التميز لشابة بدأت من تحت الصفر . ثلاث سنوات من الكفاح الصارخ . ثلاث سنوات من الإصرار حتى تربع هذا البرنامج على القمه . عيد مساواة سعيد يا نادين ، و كل عام و افضل كاتبه و إعلاميه في الوجود بألف خير .

كاتب التقرير :- سليمان الأمير





الجمعة، 23 يناير 2009

قمة العرب... الكويت


الكويت..
هذه ثاني زيارة إليها..
طرحت إعلامياً كثيرا من القضايا عنها. خاصة تلك المرتبطة بنسائها والاختلافات السياسية داخل مجلس أمتها.
تخيلتها مرة مدينة من نار.
تخيلت شوارعها ساحة تراشق بين أبنائها المختلفين في الآراء...
تخيلتها صاخبة كمجريات ما يحدث بين توجهات شعبها المختلفة.
لكن هذه المدينة أزاحت خيالي جانباً.
فليست الديموقراطية همجية. وليس كل أصحابها أشاوس.
تفاجئك هذه المدينة حين تجتاز نقطة العبور في المطار. كل شيء فيها يفاجئني.
أين يمكن أن يحدث هذا عربياً ؟
شوارع هادئة إلى درجة الصمت... رغم بركان من الحريات يغلي داخل ذرات اسفلتها.
السياسة لا تقتصر على الحكومة، والحكومة ليست السياسي الوحيد في الدولة.
الشعب له الدور الأكبر في صنع القرار السياسي.
تنتقد الحكومة. يستجوب الوزراء. يحاكم المسؤولون. ويبقى اسفلت الشوارع نظيفاً، لا يجري عليه من تجرأ على النقد ليلوثه بدمه.
تنتقد السياسات والسلوكيات ويتهم أصحاب الفساد بالفساد... وتبقى السجون خالية...
*
نساء الكويت لسن كالبقية...
القوة النسوية في الخليج اسمها امرأة نشأت على أرض الكويت.
تبهرك إرادتها دائماً. صلبة متحدية.
حين أسير في الكويت أشم رائحة قوة إناثها. هل سهل أن تكون المرأة خليجية وقوية في آن واحد؟ كيف وتنشئتنا تخبرنا بأن الضعف طريق لإغواء الرجل ؟
أتذكر شجاعة المرشحات عبر إحدى الفضائيات بعد انتهاء الانتخابات الأخيرة دون فوز أي مرشحة، كن يهنئن كل من فاز حتى من وقف ضدهن ويتمنين أن يكون فوزه تحقيقاً لخدمة الوطن... تلى ذلك مباشرة تصريح لأحد المنتسبين لتيار إسلامي يعبر عن سعادته بعدم فوز المرشحات، فالمرأة مكانها بيتها.
أيهما كان الأقوى؟
كل زاوية كويتية تحكي قصة ناشطة منذ القرن السابق إلى اليوم. هذه التركيبة الغريبة لامرأة شرقية من الخليج تحيا تناقضات الحياة العربية بأعاجيبها المختلفة، ورغم ذلك نجت مما سقطت فيه الملايين من العربيات. احتفظت بحقها في قول كلمة (لا).
هل للحكومة الدور الأكبر أم التنشئة؟ المدرسة أو الجامعة؟ هل أكسبتها الحياة السياسية أو المعارك الدائرة بين الإسلاميين والليبراليين قوة لا وهناً.
والسؤال الأهم هو إلى متى يمكنها الاستمرار في حياكة المزيد من الخطط التحريرية في ظل انحسار تلك الخطط واختفائها من معظم الدول العربية؟
*
كما الداخل الكويتي ليس كأي داخل تقليدي، فقمة الكويت لم تكن كبقية القمم...
كويت الحكمة... افتتحت العام باجتماع عربي فحضر الجميع، اتفقوا. اختلفوا ثم اتفقوا. المهم أنهم حضروا جميعاً وخرجوا ببيان.
أحلام العرب في التنمية كبيرة وكثيرة كبياناتهم التي لاحصر لها ينقصها أهم شروطها وهو التنفيذ... إصلاح التعليم واتفاقيات اقتصادية وتمكين المرأة والاهتمام بالبحث العلمي... أحلام عربية مديدة.
النكسات أحاطت بالقمة من كل جانب. أزمة اقتصادية، أزمة سياسية، أزمة ثقافية وأزمة هوية وأزمة اتفاق. العرب في مرحلة انهيار.
صدق سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح حين وصفها في كلمته الافتتاحية بأنها قمة تاريخية... وهكذا كانت، تاريخية فريدة بالأحداث المؤلمة التي رافقتها وبالخطب المفاجئة التي تضمنتها وبالمصالحات المشرفة التي احتضنتها.
لكن الكويت المستعدة دائماً للأحداث السياسية، استوعبت الحدث العاصف دون أن تبدي أي تأفف. كل شيء سار على ما يرام ، بهدوء وسلاسة . بدأ كل شيء وانتهى بوداعة. بتنظيم، بدقة وأمن.
شوارعها، بحرها وجوها البارد المنعش، كلها بقيت على حالها. لم تتأثر بصخب الحالة السياسية العربية. بل تأثر الصخب بها وتحول من نزاع إلى صلح يشفي غليل الطامحين إلى السلام. ويصد عداء الحماسيين للإنسانية.
الآن، بعد قمة الكويت، باستطاعة المواطن العربي الذي أصبح بفعل عامل الزمن مواطناً بسيطاً يفكر بالقشور فقط. ويمضي أيامه باحثاً عن قيادات ورموز. الآن باستطاعته تمييز القيادات...
هذا هو المهم في الفترة الراهنة. أن تحدد القيادات. فقد أصبح الفرد ينظر لبعض الفصائل والحركات العربية الهمجية ودول خارج محيطه الإقليمي بصفتها القائدة والدولة والحكومة... يستمع لأوهام. هبات من الأحلام... قادرون على شطب اسرائيل من الوجود بساعات. يبيع نفسه ويهتف لرموزها ضد حكومته وشعبه لأجل حلم ليس بحلمه فتباع قضيته الحقيقية برمتها.
الآن. قد توقف المصالحة وخطابا الرئيس المصري والملك السعودي كل حركة (سببت التفرقة بهدف الوصول لعرش السياسة باسم الدين والجهاد) عند حدها... فهناك حكومات يصدر منها القرار. القرار لا يصنع في إيران، ولا يصنع في الشارع... أولاد الشوارع لن يصنعوا قرارا سياسياً لصالح الشعوب بل دمارا كالذي حدث في غزة...
الآن يمكن القول ان قمة الكويت قد حققت نصراً... صلح العرب نصر.
ولتحرق كل رايات النصر الوضيعة التي رفعت على جثث أهالي غزة.
يصرح حاملوها بأنهم انتصروا. ما معيارهم للهزيمة إذاً؟
انتصارهم الحقيقي كان في مشاهد القتلى... هذا ما يجب أن تعترف به جميع الحكومات العربية خصوصا تلك التي كانت تزايد وتتاجر مع المقامرين بدماء أبناء غزة. الأيام المقبلة ستثبت مدى التزام تلك الدول بخلق دور عربي فاعل ومستقل وتحقيق مصالح شعوبهم لا أمزجتهم أو الاستمرار بتحقيق شروخ جديدة في الحياة العربية.
انتهت القمة. سعدت لحضوري مؤتمر صلح تاريخي...
انتهى اجتماع الزعماء. الكويت كعادتها هادئة. تثبت يوما بعد الآخر أنها تتربع على القمة.

نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=107390

* المقاله منشوره في جريدة الرأي البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=9430

السبت، 17 يناير 2009

حمام القيشاني يكشف عن رائدات منسيات

أتابع هذه الأيام على إحدى قنوات أوربت أجزاء المسلسل السوري (حمام القيشاني) وهو مسلسل يروي مرحلة زمنية حساسة جدا من التاريخ السوري..
القصة تصور أجواء الحارة التي دخلت معترك الحياة السياسية بشكل عفوي لينعكس الأمر على حياتها الاجتماعية وعلاقاتها العائلية. وتغطي الأحداث مراحل عدة سياسية منذ الاحتلال الفرنسي ونضال السوريين ضد الاستعمار ثم عهد الاستقلال وبدايات الدولة السورية، الانقلابات المتتالية ثم الوحدة مع مصر وكيفية نشوء نظام البعث وغيرها من التغيرات.
انعكاس تلك الأحداث السياسية على مجريات تفاصيل الحياة اليومية لأبناء وبنات الحارة هو أكثر ما لفت انتباهي في القيشاني.
كيف بدأت النساء دخول مرحلة التغيير الاجتماعي، كيف كن يستمعن عبر الإذاعة للأغاني الخالدة مثلما يستمعن لمجريات حركة تحرير المرأة. المطالبة بحقها في الانتخاب والتعليم وغيرها من المطالبات التي نطالب بها اليوم.
كيف كانت النقاشات تدور بينهن حول الحرية، حول أشهر التيارات السياسية... وليس أشهر ماركات الحقائب النسائية.
مشاهد تغطي ارتياد الفتيات للجامعات، بدايات الاختلاط، بدايات عهد الزمالة الجامعية بين الطالب والطالبة. تعارف الشاب على الفتاة قبل الزواج.
تتوالى أحداث المسلسل فتقرر (عنايت) المرأة الشعبية المطلقة المدللة التي كانت تتزوج من أثرياء في عمر والدها، أن تكمل تعليمها فتصل للمرحلة الجامعية وتنضم للمذهب الشيوعي الدارج آنذاك وتصبح مهتمة بالسياسة... تنزع عنها الملاءة السوداء وترتدي وتفكر بصوت حر مستقل بعيدا عن تشنجات التقاليد وعادات الحارة الخانقة.
يصور المسلسل شبان وشابات جيل ماض أصابهم هوس الوطنية، وحاولوا اتباع مذاهب وتيارات فكرية مختلفة كل منها يعتقد أنه الأصلح للمجتمع. في الوقت ذاته الذي يصور الرعاع الذين تحولوا إلى جهاز المخابرات.
أعتقد أن القيشاني قد تم تصويره في أوائل التسعينات. ورغم براعة الدراما السورية اليوم إلا أن بعض المسلسلات كباب الحارة وغيره يؤكد أن هناك تراجعا في مضمون الرواية السورية منذ التسعينات إلى اليوم خصوصا تلك التي تصف الشام قديماً..
لا أحد يصف التاريخ السوري. المخرجون يعتمدون التسطيح، وهذا التسطيح يعجب المشاهد. مثلما أعجبه نور ومهند..
الشعب العربي المنهك اليوم يبحث عن قصة خالية من القصة، يريد تفاصيل بسيطة، أهم ما يلفته هو البساطة في العمل.. دون تعقيدات.
يقول الممثل السوري أيمن رضا معلقا قبل أشهر عدة ان بعض الأعمال الشامية شوّهت تاريخ دمشق.. يقول «كل عمل يتناول تاريخ دمشق من خلال الشوارب وخناقات النسوان وحكاياتهن أنا غير راض عنه، وعملي فيه لا يعني أنني راض عنه وأنا منذ عامين لم أعمل بسبب هذه الحالة»
رغم أنه شارك في رمضان السابق في أربعة أعمال تنتمي لدراما البيئة الشامية. قد يرغم الفنان على أداء عمل غير مقتنع به، لأن وجوده على الساحة أمر مهم بالنسبة له..
انتقد رضا الأعمال التاريخية السورية فاعتبرها «سخيفة» و تصلح لفقرة «أخطاء وعثرات». وقال «لا أشارك في الأعمال التاريخية لأنها لا تمسّـنا ولست مضطراً لتحمل فكرة العمل فيها من أجل فكرة سخيفة الجمهور نفسه غير مقتنع بها».
باب الحارة نجح في تعليمنا كيفية عمل الكبة وكيف يكون الإنسان عنتر زمانه، القبضايات والرجولة من جانبهما الخفيف التافه. العصبية... الخوف من كشف اسم المرأة أمام الغريب..
لماذا تعاد تلك الحكاية التي قاومت مناضلات العشرينات ضدها؟
لما تعاد اليوم بهذا الشكل الإيجابي المحبب للنفوس...
لأن المجتمع العربي يريد أن يرى امرأة كامرأة باب الحارة تدارى خلف ملاءتها، ليس لها وظيفة في البيت سوى الدعاء لحارسها وسبب حياتها. لم يعد المجتمع مؤهلا لرؤية جاهلة تكمل تعليمها وتنزع عنها الملاءة... لم يعد مؤهلا لرؤية (عنايت) وهي ترفض في حمام القيشاني عريسا (لقطة) لأنه طلب منها أن تتحجب.
لم يعد يستوعب (أميرة) المتعلمة المثقفة وهي تجيب أخاها الذي عاتبها على طلاقها من ثري عربيد ورجعي قائلة: سأعود لأتبحر في العلم. أخطأت حين تزوجت من جاهل، هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟
ذلك هو ماضي العربيات زمن الثورات.
وهذا هو حاضرهن في زمن التراجعات.
يتحولن يوما بعد الآخر لنساء باب الحارة حيث اللاكلمة واللاصوت واللاقيمة...
هل سيجاري المخرجون الحال العربية العامة (النائمة ) أم سيعمدون لتغيير الحال واطلاع الأجيال الجديدة التي يزداد تسطيحها يوما بعد يوم (بفعل الإعلام وبفعل الدراما وبفعل العائلة) على أجيال شابة كانت عميقة في تفكيرها لدرجة خلدها معها التاريخ.


نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=105709

* المقاله منشوره في جريدة الرأي البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=9344

السبت، 10 يناير 2009

قالت تركيا كلمتها

صرح رجب أردوغان « أنا زعيم لأحفاد العثمانيين»...
انتقد رئيس حزب العدالة والتنمية ما تفعله إسرائيل واعتبره عدواناً.
رد على رؤيتها تجاه موقفه العاطفي: أتحدث بالسياسة وليس بالعاطفة، وإذا كان علي أن أفعل ذلك فسأتعاطف مع أهل غزة».
وصف حاكم الدولة العلمانية الهجمات الإسرائيلية بأنها وصمة عار في جبين الإنسانية وبقعة سوداء في صفحات التاريخ.
قام حاكم الدولة التركية (التي ينكر حكمها الكافر الكثير من المسلمين) بتذكير إسرائيل «استقبلنا أجدادهم وقدمنا لهم المساعدة والحماية، وعليها أن تحترم الحقوق الإنسانية التي عانى في سبيلها هؤلاء الأجداد».
تركيا الدولة العلمانية وقفت إلى جانب غزة، ليس لأن حاكمها ينتمي إلى حزب العدالة ذي الجذور الإسلامية، إنما لأن الإنسانية اقتضت ذلك... مثلما اقتضت الإنسانية بالنسبة لها استقبال اليهود في السابق.
موقف العرب من ذلك...
العرب حاربوا العثمانيين وحلموا باستقلالهم عن حكم طرابيش استانبول، ثم غضبوا من أتاتورك لأنه حارب العثمانيين وألغى الطربوش، ثم حلموا بعودة العثمانيين بعدما استعمرهم الغرب واستعمرتهم أنفسهم... ثم حاربوا علمانية تركيا، ثم امتدحوا تركيا المدافعة عن غزة... أصبح الموقف الرسمي التركي يمثل للكثير موقفا إسلامياً مشرفاً...
*
تذكرت تركيا.
في استانبول تنتشر ملصقات لصور مصطفى كمال أتاتورك في كل مكان... الحداد يقام عليه في كل نوفمبر منذ سبعين عاما، الشباب والشابات أكثر المعجبين به حد الانبهار...
أتاتورك الغى الخلافة الإسلامية وحرر تركيا. أقام نظاما علمانيا استمرت أسسه إلى اليوم... فتركيا تفصل الدين عن السياسة. ولأنها تفصل الدين عن المؤسسات السياسية، كان باستطاعة المجددين الإسلاميين المعاصرين إذابة جليد الإسلام السياسي وإحلال إسلام معاصر وسياسة معاصرة لا تنكر الأخلاق والدين بل تحميهما... بالوصول إلى نهج جديد، علماني يحمي التراث ويقبل على الغرب ويفصل الدين عن الدولة والسياسة لكنه لا يفصل الدين عن المجتمع...
نهج يؤمن بأن الدين تجب حمايته من تقلبات ومزاجيات الساسة وتغيير مبادئهم واتفاقياتهم...
وفي دول إسلامية أخرى تربط الدين بالدولة... تخضع المبادئ الدينية الراسخة لتقلبات أمزجة سياسية... هكذا يهان الدين في عدد من الأنظمة التي تكفر بالعلمانية.
في تركيا العلمانية، وعندما يحين ميقات الصلاة... يصدح الآذان... منابر المساجد لا حصر لعددها... أصواتها تأتي من كل مكان... تملأ السماء بتكبيرات بدء الصلاة... أصواتها تسعدك روحيا على ضفاف البوسفور.
تغمرك العلمانية بإيمان لا أشعر به في أي من العواصم العربية...
*
تذكرت الدكتورة ابتهال الخطيب. كانت ضيفتي بإحدى الحلقات. من النساء، وحدها ابتهال سمعتها تقدم مفهوما عميقا لفكر العلمانيين... قليلات هن الخليجيات اللواتي يعترفن بعلمانيتهن صراحة...
لأن الفكرة العامة عن ذلك المذهب هو أنه مجموعة مبادئ سترهق المجتمع بانفلاتها وستدفعه نحو الحضيض ، سألتها: هل تقبلين لابنتك أن يكون لها صديق بالمستقبل (بمعنى حبيب كما في الغرب)؟
قالت : لا أرفضه بشدة.
قلت لها: الناس ترى بالعلمانية حرية.
ردت الكاتبة المحافظة : الفكر العلماني لا يفرض نمط حرية معينا على المجتمع، العلمانية فكر سياسي وليس اجتماعيا يفصل الدين عن الدولة لكنه يكفل وبشدة الحريات للجميع أهمها الحريات الدينية...
*
تركيا نموذج يقتدى به لدولة شرقية عصرية ...
أما الأخلاق فمحال أن تفرض فرضاً بل تعتمد على درجة إيمان الأفراد بها... لذا يمكنك بسهولة إيجاد أشنع التجاوزات الأخلاقية في أشد الدول تمسكا بالتقاليد الإسلامية وأكثرها ربطا للدين بالمؤسسة الرسمية...
فمتى نتخلى عن أحلام العظمة التي لن تتحقق يوماً ونحاول السير على خطى أكثر واقعية لنتمكن أقله من الحياة كالبقية...

نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=104035

* المقاله منشوره في جريدة الوقت البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=9271