الجمعة، 10 أبريل 2009

بحبــك يا حمــار

ليس ''حمار الحكيم'' الذي فلسفه توفيق.
بل ''حمار الصغير''.
حماره دخل أبيات الأغنية العربية التي دافعت عن وجوده وعن حقه كحيوان من خلال أداء سعد الصغير؛ حتى صار للحمار نصيب عالٍ من حصة الأغنية الشعبية في سوق المستمعين الذين زاد توجههم في السنوات الأخيرة نحو الأغنيات المعتمدة على استفزاز الأذن قبل التقاليد الفنية. بالكلمات والحركات والأزياء عدا الألحان.
الحمار أثار أزمة. ترددت أخبار عن أن شعبان عبدالرحيم لم يصمت إزاء أغنية (بحبك يا حمار)، فقام بتحذير سعد الصغير من التمادي بحب الحمار في الملاهي الليلية وعلى المسارح؛ لأنه (أي شعبان) صمم على إهداء أغنية للحمار قبل سنوات عدة (أنا بحب الحمار بجد مش هزار)، ويتهم اليوم سعد بسرقتها، وبعد تنافس المطربين على اكتساب ود الحمار حظيت أغنية سعد الصغير بحفاوة شعبية ساحقة.
لكل عصر فئته الشعبية الخارجة عن السائد. ملابس رثة وألفاظ لم يعتدها العرف. سعد وريكو وكثير من المغنين قد يكونون ضمن هذه الفئة.
في العادة تترك تلك المجموعة أثراً أو تحدث تغييراً، فطالما أنها أحدثت ضجيجاً في وقتها، فهي وإن انتهت أو اختفى بريقها سريعاً مثلما ظهر، إلا أنها خطوة أو زاوية من زوايا المستقبل.
ثورة اجتماعية؟ أم سقوط فني؟
في مظهرها لا تبدو الأغاني الجديدة ثورة اجتماعية، قريبة هي إلى زعيق أولاد الشوارع.
وليس التأقلم مع تلك الأغاني ممارسة للانفتاح على كل ما هو جديد وعصري، التأقلم والعصرية ليس قبول كل شيء، وأي شيء.
حين ظهر ''الهيبيز'' في الغرب ارتدوا ملابس تتحدى الذوق العام في تلك الفترة، واعتمدوا المظهر البوهيمي ومارسوا أنواع الإباحية، واليوم يعتقد الكثير من هيبيز الماضي أنه ليس من داع لاستمرار ذلك النهج الحياتي المتخبط بعد انتهاء الثائرين من تنفيذ مرادهم. فبعد الحرية العشوائية المؤقتة دعت الحاجة إلى الاستقرار عبر الحرية الواسعة المنظمة والمسؤولة.
واليوم يزعم نجوم موسيقى الروك (المتهمون بعبادة الشيطان) أن لديهم رسالة يوصلونها من خلال ألفاظ ينتقدون فيها مبادئ لا يريدونها، ولإثبات سلامة أهدافهم يشاركون بالأعمال الخيرية العالمية، وقد طالب أهم نجوم الروك زعماء العالم بتخفيف أعباء الديون عن المنطقة الإفريقية المنكوبة، وعملوا بجهد كبير لكبح داء الأيدز عن الانتشار هناك.
إذا كانت الأغنية طريقا قصيرا لإيصال رسالة، فهل يملك المغنون المصريون واللبنانيون الجدد مشروعا مجتمعيا أو سياسيا؟
واحدة تتغزل بالحصان، وآخر بالحمامة، وثالث بالعنب، وهناك من تنتظر دورها على ''الرووف''.
الموضة الجديدة هي التحول إلى دائرة الحيوان والنبات، الموضة التغني بجزمة بوش والحنطور.
هل من ضمن المشروع تشويه الموسيقى، وتعليم الفراغ.
هل الأغنية انعكاس لثقافة الأفراد؟ أم أن الأغنية هي التي تصنع الثقافة؟
جزء كبير من الثقافة يتشكل اليوم عبر شاشات المنازل. يستقبل الفرد كلمات لم يعتد أن تدخل منزله، لكنها تعجبه أو ينصت لبرنامج ديني يتدرج حجم تطرفه بين البسيط والمعقد، وكلها تصب في الزاوية ذاتها.
في كل مرة تناقش بها أوضاع الفن يتردد لفظ (العري) آلاف المرات وتهمل الألحان، كلمات الأغاني، مستوى المطربين.
المسألة ليست في العري أبداً، وكأن العري شيء جديد على الفرد العربي.
كانت الراقصات في الأفلام القديمة وحتى الممثلات يرتدين ملابس كاشفة جداً لم تقم بارتدائها أي مطربة اليوم، ولم يكن المجتمع العربي يكتبه أو ينتقده ويهاجمه.
حالة الجسد المكشوف هي حالة قديمة ومعتادة.
كان الجسد شبه العاري مكملاً للروح الموسيقية متعانقاً معها. كان الجسد مكشوفاً بوقار. اليوم تؤدي الموسيقى دور الكومبارس الذي يقف خلف الباحثات عن الثروات.
وفي بعض المقطوعات، اجتمع لحن ملائكي منزل من السماء مع أجساد الإناث وصوت فريد الأطرش المستحيل لتتشكل لوحة إنسانية نادرة، كما في أغنيته الربيع الذي نعيشه هذا الشهر.
وأنا يمرني الربيع هذه الأيام. وأكتب عمن يريد أن يطعم حماره آيس كريم بدل البرسيم.

نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=124609

* و منشوره في جريدة الوقت البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10248

الجمعة، 3 أبريل 2009

في الملتقى الإعلامي روت لي نبوءة أبيها: لن تنجحي.. لأنك شريفة


أثناء تكويني الفكري استمعت لبعض الأهل يتحدثون عن قصة شابة كانت تربطهم بها قرابة بعيدة، واجهت ظروفاً صعبة في صباها، ثم أثارت دهشة الكثيرين وحنق البعض وهي تتخطاها وتتحداها لتكمل مشوارها الذي اختارته. طوعت الظروف وسارت بدرب رسمته بيديها. كان الإعلام حلمها.قالوا إنها كانت حديث الجميع. فمَنْ المرأة التي تتجرأ على التقاليد في أوائل السبعينات وتفكر بالعمل الإذاعي.لفترة طويلة وإرادة تلك الفتاة المجهولة التي سمعت عنها تمدني بأشياء من الصلابة وبروح الحياة رغم أني لم أرها ولم ألتق بها قط ولا أعرف حتى اسمها، وحسبت أنها مذيعة عادية بإحدى القنوات المحلية، اكتفيت بكلمتين عنها علقتا بذاكرتي: أرادت، نفذت.وفي نيسان الماضي حضرت إلى الكويت للمشاركة في إحدى ندوات الملتقى الإعلامي العربي الذي يرأسه الإعلامي الكويتي الأستاذ ماضي الخميس. كنت مدعوة في مثل هذا اليوم على العشاء ضمن الوفد السعودي الموجود آنذاك. هاتفني الأستاذ ماضي وقال لي: السيدة هدى ذاهبة، روحي معها بالسيارة نفسها.كانت فرصة للتعرف شخصياً إلى الإعلامية العريقة التي ينوي الملتقى الإعلامي تكريمها في اليوم التالي.في بهو فندق شيراتون كنت أنتظرها عند المدخل. رأيت هدى الرشيد قادمة نحوي، عرفنا بعضنا دون أن نلتفت باحثات بين الجموع التي كانت تملأ البهو استعدادا لافتتاح الملتقى في اليوم التالي.فوجئت بها، جميلة، أنيقة جداً، شعرها قصير. وماكياجها بسيط. تبدو كسيدات المجتمع الأوروبي. تحدثنا في السيارة كثيراً، وصارت تسألني عن عملي وأسألها عن حياتها.حين وصلنا المجلس الذي كان يضم عشرات الرجال وأربعة أو خمسة سيدات جالسات مع بعضهن كنت أهم بالجلوس حين قالت لي: لن نجلس قبل مصافحة الجميع. قام الجميع من مقاعدهم وأخذنا نصافح عددا كبيرا من الرجال، وحين انتهينا جلسنا قرب السيدات، فقالت متذمرة: لا يعجبني الجلوس هنا في الزاوية. المفترض أن نتوسط الحاضرين. كانت تلك هي السعودية الأولى في حياتي التي ترغب في توسط الحاضرين دون الانزواء خجلاً. صعب لدى الكثيرات أن تتطابق مبادئهن العليا بتفاصيل عاداتهن اليومية.حين أعلن عن العشاء، همست في أذني: لن نقبل أن نجلس إلا في مقدمة المائدة، وهكذا كان.في اليوم التالي كرمها الملتقى الإعلامي بجائزته التقديرية.هدى الرشيد السعودية التي أمضت 32 عاما كمذيعة رئيسة في إذاعة الـ’’بي بي سي’’ البريطانية، وتردد عبر الأثير: هنا لندن.صادقتها ولم أصدق نموذجها الفريد. تملك روحاً شجاعة تجهل الكلل. وصممت بعدها على إجراء حوار معها.حضرت من لندن.روت قصتها في الانتقال من السعودية إلى الحياة في بريطانيا، ووصفت معارضة أبيها الشديدة لانتماء ابنته لعالم الإذاعة.حين أعلنت لأبيها أنها تريد أن تكون مذيعة حاول التثبيط من همتها:‘’لن تنجحي في هذا العمل؛ لأنك شريفة’’.لكنها أصرتْ على المضي في العمل الإعلامي الذي تحتكر النجاح فيه كل من فقدت شرفها، كما يعتقد والدها، ستثبت لأبيها أن النجاح والشرف مقدر لهما أن يلتقيا، فلا شرف دون طموح، ولا نجاح أبدي لمن يتطاول على قيمه.وبعد مدة من خروج صوتها عبر الأثير صار الأب يخبر الجميع عن ابنته التي رفعت رأسه عالمياً.. حتى كان يسأل سائق التاكسي: أتعرف ابنتي.. المذيعة الشهيرة في الـ’’بي بي سي’’.. وانتقل لاحقا للإقامة عند ابنته التي صارت مصدر فخره.نجاحها كان أبدياً.لكن النجاح لا يأتي بسهولة: ‘’كنت أبكي كثيرا في الحمام في مبنى البي بي سي’’ ‘’حققت كل ما أريد مع بعض الفجوات المحزنة، هل توجد سعادة من دون فجوات’’.بعدما أذيع الحوار صارت الاتصالات تتوالى على هاتفي: أهي هدى؟ هل هي سعودية أصلية؟كنا نظن صوتها ملكاً لمذيعة عراقية، وكم سنة صار لها في بريطانيا؟ وما أسباب هجرتها؟.شيء حزين.اثنان وثلاثون عاما من العمل في أعظم المحطات الإخبارية ولا يعلم عنها مواطنوها انتماءها لبلدهم، كما لم يتم تكريمها في أي من الاحتفاليات الوطنية! واضح أنها لم تكن تهدف لشهرة وضجيج. واضح أنها كانت تهوى عملها حبا جماً، وواضح أن هناك نكراناً وإهمالاً للطاقات العربية المهاجرة، كما يحدث دائماً، وأعتقد أن هذا هو سبب وجودها في الخارج، فأولئك الذين علموا تماماً مقدار ما يمكن أن تمنحه الأرض العربية، وعلموا تماماً موهبتهم التي تضيق عليها مساحات بلدانهم قرروا منذ زمن بعيد الهجرة، وبقي هنا الحالمون بمستقبل أفضل، أو بقي الذين لا يعلمون أنهم يملكون الموهبة. وهدى ضمن الندرة التي عرفت أنها تملك الموهبة، وعرفت أين وكيف تستغلها؟أما أهم اتصال جاء كتعليق على الحوار، فكان من إحدى قريباتي تخبرني أن ضيفتي هي الفتاة ذاتها التي كنت أستمع لحكايتها في صغري.علاقتي بها بدأت منذ خمس عشرة سنة، وتعتقد هي أنها تعرفني منذ عام واحد فقط.المرأة ذاتها التي أمدتني بالقدرة على التمسك بالحلم، تمدني اليوم بالرغبة في الحلم من جديد، وعن قرب تعرفني على أجمل نموذج مستقبلي يمكن أن تحلم به أي سيدة.هذا شكري أوجهه للملتقى الإعلامي العربي الذي لولا تكريمه لهدى الرشيد ما كنت تعرفت إلى واحدة من أسباب تكويني.وهنيئاً للملتقى (الذي يبدأ دورته السنوية غداً) بمنجزاته الحية، والتي آمل أن تكون ككل سنة مفاجئة معطاء.
نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه
* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
* و منشوره ايضًا في جريدة الوقت البحرينيه :-