السبت، 20 يونيو 2009

زينيت Zenith


كان يورج شيفر ودانيال غيالاخ يكملان دراستهما الجامعية عن الشرقيات والحياة العربية السياسية والثقافية، حين خطرت لهما فكرة تأسيس المجلة قبل عشر سنوات (قبل الحادي عشر من سبتمبر)... ولعهما الألماني بالمشرق دفعهما لتخصيص صفحاتها عن العالم الإسلامي. اسمها زينيتZenith كلمة ألمانية ذات أصول عربية وصلت لأوروبا في العصور الوسطى وتعني الشمس في أوج توسطها السماء. يقول الناشران الشابان انها كانت مشروعا دراسيا قاما ببيع أعداده لطلبة الجامعة، لكنها اليوم تطبع من برلين وتوزع في ألمانيا ودول أوروبية عدة متخصصة بالكامل بالتعريف عن الشرق الإسلامي ومشكلاته وتفاصيل حياته وتعقيداته.ليس المشرق الذي رسمه المستشرق الأوروبي القديم، نساء عاريات في الحريم. سلطان يتابع راقصاته وجارياته. لم يعد المستشرق مهووساً برفاهية السلاطين، ولم يعد يعير اهتماما لتخيل الجمال الشرقي وتلوين كائنات لم يشاهدها يوماً. المستشرق اليوم أصبح صحافياً عميقاً ويكتب عن اضطهاد النساء في الحريم، لم يعد يرى أي جمال في العري داخل السجن كما لا يغريه التحاف المرأة بالأغطية. يرفض الاستسلام للصمت إزاء مشكلات جرائم الشرف التي ترتكب باسم الدين، ولا يعجبه أن يتمتع بالديموقراطية وغيره مازال يئن من أوجاع الديكتاتورية.هكذا يمكن وصف يورج ودانيال اللذين كرسا حياتهما الصحافية للتعبير عن أوجاع الشرق وعن جمال ثقافته أيضاً، فليس التركيز منحصرا على الإرهاب كترجمة عالمية حديثة للشرق الإسلامي بعد الأحداث التفجيرية. يقولان انهما وجدا صعوبة في البداية في جذب الشركات الإعلانية لتمويل المجلة، فقد كانت الشركات تنظر ذات النظرة للإسلام والعالم الإسلامي، المعلنون لا يريدون التعاون مع مجلة تتعاطى دينا إرهابيا وتحكي عن شعوب إرهابية. لكن مع الوقت ومع طبيعة القضايا المطروحة أخذ القارئ الألماني يحملها محمل الجدية وأخذت الشركات تنشر إعلاناتها بطبيعية.من المغرب لأفغانستان. هكذا تعرف زينيت عن اهتماماتها.أفغانستان، العراق، معركة الحجاب، الطوائف، العادات الشرقية الرائعة، الموسيقى، الأغاني، مستقبل الشباب، مفكرون مقموعون، شعور الرجل الشرقي ببداية فقدان دوره البطريركي. تعرض زينيت بأحد أعدادها جرائم الشرف التي ترتكب في أوروبا بين المسلمين. تحديدا بين عدد من الأتراك في ألمانيا قاموا بقتل بناتهم غسلاً للعار وكانت النتيجة أنهم في السجن حتى الآن.على غلاف المجلة كانت صورة فتاة تتعرض للخنق، هكذا تنقذ وسائل الإعلام الغربية حياة النساء وتخدم قضاياهن.الطريف ردود الفعل المتطرفة في أوروبا تجاه تناول المجلة للقضية الفلسطينية - الإسرائيلية. إذ اتخذت المجلة موقفا محايداً في عرض قضايا كل من الطرفين. حيث تنشر مواضيع ناقدة جدا عن تجاوزات إسرائيل في ذات الوقت الذي تحاور به إسرائيليون ويهود داعيين للسلام، وتؤكد عبر تقاريرها أحقية الفلسطينيين للعيش بسلام لكنها لا تتأخر عن تصوير ما تفعله «حماس» من تأخير لعملية السلام. ورغم ذلك يتهمها بعض المتطرفين اليهود بمعاداتها لهم وبتمويلها من أحد أمراء الخليج، أما المتطرفون المسلمون فيؤكدون أن الموساد هو الذي يمولها ويرعاها.موقف متطرف طبيعي، فعرض القضايا بمهنية وحرية وعدالة يؤذي وجود التطرف الذي يعتاش ويتغذى على طمس الحقائق.وفيما يرشقها الطرفان بالاتهامات فإن كثيرين آخرين يعتمدون على المجلة في استقاء معلومات عن المشرق العربي والإسلامي.قضايا المشرق بقلم غربي. الهدف هو تقريب العرب للغرب. فكرة بسيطة جداً وتغني عن آلاف المؤتمرات العربية الرسمية التي تعقد في العالم دون أي جدوى، فتزوير الثقافة الشرقية وإظهار الصورة الحسنة فقط أمر مكشوف. أما حين تكون محاولة عرض الصورة الحقيقية الجميلة والسيئة للشرق آتية من الداخل الغربي فإنها تغدو أكثر إقناعاً.محاولات بعض الحكومات العربية لتجميل صورتها في غالبيتها محاولات مضحكة فالغرب ليس غبياً، إذ فيما ترسل له الحكومة العربية معلومة خاطئة عن الداخل المجتمعي، فإن مراسليه قد قاموا مسبقا بتولي المهمة وفهم حقيقة ما يحدث. هل يصدقنا صحافي أوروبي إن قلنا له كل شيء على ما يرام، والإصلاح يجري على قدم وساق؟هل يكتفي بمشاهدة الأبراج التي بنيناها وعدد الجامعات ليهرع ويكتب عن التقدم الذي تعيشه الدول هنا؟يعرف شيفر وغيالاخ عن العالم العربي أكثر مما يعرفه كثير من أبنائه. وهما لا يهتمان بالقضايا الدينية السياسية فقط، بل يبدو ظاهرا على محياهما حبهما للصحراء وللمنطقة التي طالما أثارت ودغدغت فكر الأوروبيين.*وقفت أنا ويورج في ساحة بيبلبلاتز على ذكرى الحرق النازي للكتب ببرلين عام 1933، زجاجة مربعة في وسط أرضية ساحة الحريق ومن خلال الزجاج الشفاف يمكن مشاهدة جدران مليئة بأرفف الكتب الفارغة نفذها الفنان الإسرائيلي ميشا أولما. كتب هناك عبارة للمفكر الألماني هاينرش هاين( فقط في الأماكن التي تحرق بها الكتب يغدو حرق الإنسان ممكنا أيضاً).تصدح أجراس الكنائس وتعلو في فضاء برلين، تعزف موسيقى تطرب دون أن تؤذي مشاعر أحد، فقد ارتاحوا قديما من منح الفرصة لكل مارق على الدين للحكم والتفرقة بين الناس.
نادين البدير
كاتبه عربيه سعوديه
* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
* المقاله منشوره في جريدة الوقت البحرينيه :-

الجمعة، 12 يونيو 2009

عقاب الأرامل


اشتهر الهندوس قديماً بطقس يدعى ‘’ساتي’’، وهو ممارسة شهيرة تحتم على الأرملة أن تحرق نفسها بالنار حين يتوفى عنها زوجها.
كانت الحكمة من وراء ذلك تجديد الزواج وزفاف الأرملة للميت.
ولم يصف التاريخ طقوساً ‘’ساتية’’ عن زفاف الأرمل للزوجة الميتة.
يقال إن ‘’الساتي’’ كان مفروضا على المرأة الصالحة، وتم شرح تلك الممارسة دينياً على أنها ليست انتحارا تمنعه الكتب المقدسة، بل عمل صالح يغفر خطايا الزوجين ويضمن خلاصهما وحياة تجمعهما بعد الموت.
استمر الشواء ‘’الساتي’’ حتى بدأ منعه في الأراضي الخاضعة لسيطرة الأوروبيين، فقد جرمه البرتغاليون والهولنديون والفرنسيون والإنجليز.
وفي العام 1987 صدر قانون يمنع ‘’الساتي’’ ويعتبر تمجيده أو التشجيع عليه أمرا غير قانوني. ورغم الحظر المفروض، فقد مورست تلك العادة الهمجية في راجستان الشمالية لمرات قليلة جدا في السنوات الأخيرة، وفي تلك الولاية يقام مهرجان سنوي إحياء للمرأة الهندوسية التي تقوم بحرق نفسها مع جثة زوجها الميت.
أما جزيرة صقلية بجنوب إيطاليا، فقد أجبرت بها الأرامل على ارتداء سواد خانق مدى الحياة بعد وفاة الزوج، ومنعت من الزواج مجدداً، استمر هذا التقليد الهمجي حتى السبعينات من القرن السابق، ومع الأسف فلا تزال هذه العادة معمول بها إلى اليوم عند عدد من العائلات الصقلية.
في باكستان حلقت الأرملة شعرها وأجبرت على ارتداء بياض خانق.
وتقطع أرملة قبائل الهوتنتوت الإفريقية جزءاً من أصبعها حين يتوفى عنها الزوج؛ إشارة إلى الوفاء الاجتماعي والرباط المقدس بينهما.
انتحار إجباري آخر في مناطق أخرى، حيث أرامل أخريات عقابهن مختلف، أو أن انتحارهن مختلف، انتحار مؤقت. الحبس لأكثر من أربعة شهور بقليل، وهو ما تمارسه مجتمعاتنا إلى اليوم، قد يختفي هذا التقليد يوماً ويتحول لذكرى ضمن الطقوس العربية القديمة، لكنه اليوم معمول به لدرجة متطرفة بعض الأحيان، إذ اختارت بعض النساء ألا يخرجن من المنزل لمدة عام كامل حدادا على الزوج المفقود.
المعروف، أن تمنع الأرملة من الزواج خلال فترة الحداد أو العدة لغاية تحديد النسل وعدم اختلاط الأنساب، لكن ذلك يرافقه ممنوعات أخرى.. مثل الخروج من البيت لغير حاجة.
إذ يجب أن يكون خروجها للضرورة.
لا أعلم إن كان التنزه ومتابعة الطبيعة ضمن الضرورة، ولا أفهم علاقة اختلاط النسب بالخروج ومخالطة الرجال ومحادثتهم.
أيعني تعميم الحبس على جميع النساء أن هناك شكا في أخلاق جميع النساء؟
هل توحي نظرية حبس الأرامل بأن الأصل في النساء البعد عن الطهارة بالمعنى المحلي للطهارة، وأنهن بلا استثناء قد يمارسن الحرام في أية لحظة ومع أي غريب؟
في عزاء حضرته اجتمعت المفتية مع الأرملة، في كل عزاء تأتي مفتية لتلقي تطرفاً جديدا وتوزع إرشاداتها على أهل الميت، لا أحد يذكر الميت، لا يخصصون ساعة يجتمع فيها أبناؤه وأقرباؤه لذكر إيجابياته ومنجزاته، ووصف علاقتهم به، وكم كانوا يحبونه.
ولأن المفتية تحكي وتتطرف باسم الله، فقد صمت الجميع.
لا تتزيني ولا تتبرجي وأنت داخل المنزل حتى انتهاء العدة، لا تقصي شعرك ولا تصبغيه ولا تضعي الكحل ولا تستخدمي أي مادة عطرية. استحمي فقط..
لماذا يكرهون الورود؟
لِمَ لا يجبر الأرمل الرجل على اتباع نموذج للحزن احتراما للزوجة المفقودة؟ كأن يحرم من الحياة. أو يجبر على معانقة الوحدة.
تتصل الأرملة بالشيوخ والوعاظ، تنشد منهم طريقة للحزن. تطلب تعذيباً مازوشياً لتحولها أرملة.
لا تخرجي من بيتك، ولا تختلطي مع الرجال..
أتعاقب لأن زوجها مات؟
ماذا عن الوحدة والاكتئاب النفسي والحاجة لالتفاف الناس من حولها في هذا الوقت المحزن.
لماذا يتحول الزوج بمجرد وفاته إلى أحد المقدسات؟
وكيف تعتد الأرملة وتمنع من الحياة كبقية البشر على جريمة لم تقترفها، بل اختارها القدر؟
هل تعتد الأرملة أيضا على رجل مارس أمورا منافية للدِّين؟ هل يجوز أن تمسك الحداد وفاء لشرير؟
ومن يستطيع أن يحدد للأرملة كيف تحزن وبأية لون يكون حزنها؟

نادين البدير
كاتبه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/alrai/Article.aspx?id=138360

* و منشوره في جريدة الوقت البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10875

الجمعة، 22 مايو 2009

الكويت تعيش حالة ازدهار مجتمعي

الأسئلة التي كانت متداولة إعلامياً منذ بدء إشراك المرأة في العملية الانتخابية هي: لم لم تصوت المرأة للمرأة؟ لم صوتت المرأة للإسلاميين؟ هل يؤكد هذا عداء الإناث لبعضهن؟
بعد كل خسارة انتخابية نسائية (عربية عموماً) تعاد ذات الأسئلة وتصاغ ذات الأجوبة.. أحكام ماسخة متداولة توجه لكل من انضمت للمنافسة السياسية.
البعض سخر من وطنيتهن التي ‘’ لا تتعدى البحث عن الشهرة’’. البعض قال أن برامجهن الانتخابية ضعيفة جداً. بحثوا عن أدق التفاصيل في ملابسهن وماكياجهن وشعرهن. أشاروا بتقليدية مزيفة لاختلاطهن بالرجال. شمتوا بعدم اكتراث المجتمع منطقياً للتصويت لعقول أنثوية لا تملك صاحباتها شيئا تقدمه سوى تزيين البرلمانات وإلهاء ذكوره.
ليس هينا على المرأة العادية الاستماع لتلك الانتقادات التي لا تخلو من التجريح في أجواء داعمة يتزايد بها طغيان العرف والقبلية، وليس هيناً عليها التعايش مع موجة الصد لمرتين ولثلاثة انتخابات متتالية وتجاوزها في كل مرة.
لكن أولئك النساء لسن عاديات.
هذا وصف لما عايشته ورأيته في أعين عدد من المرشحات منذ دخلت المرأة الكويتية الانتخابات.. حماسهن للقضاء على الفساد، جلدهن، جرأتهن.
بعد عقود من المطالبة، تفوز أربعة نساء بالانتخاب المباشر ودون الحاجة لنظام الكوتا.
كان لي حوار مع عدد منهن بعد خسارتين، بدأن يتحدثن عن أهمية المطالبة بكوتا (حصص) تضمن مقاعد نسائية في البرلمان، فانصراف المصوتين جعل الطريق تبدو مستحيلة، لكن نجاحهن هذا العام يلغي الحاجة إلى أي كوتا. فالمشاركة السياسية بعد وقت قصير من إقرارها إنجازا لم تحققه كثير من العربيات. في المغرب (حيث الحقوق النسوية بأقصى تقدمها) أقر حق ترشح المرأة ومشاركتها في البرلمان منذ العام 1963 لكنها غابت عن نتائج الانتخابات التشريعية منذ تلك المدة ولم تدخل للبرلمان سوى عام 1993 أي بعد ثلاثين عاما. وبقي وجودها محدودا حتى أقر نظام الكوتا.
أسباب الغياب عربية، فالأمر لا يتعلق ببرامج انتخابية أو بأهداف سياسية، كل شيء يتوقف حول الأنثى المرشحة وليس السياسية المرشحة.
هذا سؤال عربي يطرح داخلياً في غالبية البلدان العربية والإسلامية. كيف تدخل أعضاء أنثوية للبرلمان؟ للوزارات؟ لقطاعات الصناعة؟ لبناء الجسور والأبراج؟ لمحطات البنزين؟
والخوف كل الخوف: هل ستكتفي الإناث بالاستقلال أم ستحل الإناث محل الذكور يوماً؟
كيف يسمح بأن تؤنث المدينة؟ فعلياً لا لغوياً فقط؟
أغواية أن تؤنث المدينة؟
أعتقد أن أعداداً مجتمعية تحمل نتيجة الفوز الكويتي بتجاوزها الاهتمام بإيجاد إجابات على الأسئلة السابقة. التقدم الفكري للمجتمع هو الذي أوصل أولئك البرلمانيات رغم وجود أصوات كثيرة متأخرة ومتطرفة.
بعد أول خسارة برلمانية للمرأة، أنتج فيلم للمخرج الكويتي وليد العوضي بعنوان عاصفة من الجنوب. كان وثائقيا عاطفياً يعايش حياة ثلاث مرشحات كويتيات في مراحل الانتخاب المختلفة وصولا إلى دموع الخسارة. في إحدى اللقطات يظهر زوج إحدى المرشحات وهو يعلق على انتقادات قبيلته لموافقته على إشراك زوجته (المرأة) في الانتخابات، قائلاً بأنه مستعد لأن يذود عنها ويفديها بكل ما يملك حتى بأبنائه..
كم امرأة في الخليج قد تواتيها فرصة أن يقف إلى جوارها رجل يقول لأجلها وأمام الملأ تلك الكلمات.
فرصنا قليلة جداً..
تظهر رولا دشتي في الفيلم نفسه، تقف الأنثى الوحيدة في ديوانية مليئة بالرجال، وتحكي معهم بصوت مرتفع..
كم امرأة في الخليج تعلم أن لصوتها المرتفع مكانة عالية وشرط إنساني لإعلاء ذلك الصوت أمام الناس؟
هذه هي الروح المجتمعية الكويتية التي أوصلت النساء للبرلمان. والتي كشفت عن ازدهار اجتماعي أكثر منه ازدهار سياسي.
الصعوبة كانت في البداية، تطلب الأمر تأقلماً محلياً مع ذهاب الرجل لمراكز الاقتراع والتصويت لامرأة يعتقد آلاف غيره أن مكانها بين طاولة البصل وسرير الرغبة، تطلب ثقة النساء بعناصرهن وتجاوز الخوف من الذات.
وكيف لا تثق بسيدات سياسيات محنكات. أسيل العوضي تمد يدها للجميع، لمن يعتبرها حليفة ولمن اعتبرها خصما في الانتخابات.
كذلك كانت ردود الفعل الأكثر تأثيراً بعد خسارة العام الماضي..
المرشحات لم يغضبن قدر شماتة المنافسين بهن، روحهن الوطنية العالية باركت لكل من فاز وهنأت به الوطن. أعتقد أن هذا هو المهم الآن، أن لا تتحول الساحة الفكرية والسياسية لحلبة تراشق بين الليبراليين والإسلاميين، بين النساء ومناهضي تحرر النساء، بين النساء أنفسهن. بل لحلبة تنافس على الخدمة العامة.
اليوم يقولون أن وجودها في البرلمان الكويتي سيقلل من حدة العنف فيه. وسيزيد من عقلنة قراراته. مؤكد أن أسيل العوضي ورولا دشتي ومعصومة المبارك وسلوى الجسار وصلن درجة الكمال في النظرة للوطن. لكن البعض يريد للمرأة أن تضفي الكمال الإلهي لأي منصب تصل إليه، طالما أنها منيت به أخيراً. هل يطلب ذات الأمر من الرجال؟ ألا يخطئ الرجال؟ لم على المرأة أن تكون مثالية جداً وكاملة للغاية؟


نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/alrai/Article.aspx?id=134061

* المقاله منشوره في جريدة الوقت البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10661


الجمعة، 8 مايو 2009

هيبا، هيباتيا وعزازيل

ماذا يقول الراهب هيبا؟ إن للعنف جذوراً في كل لاهوت، وإن الحرب وليدة المعتقدات أو إن المعتقدات مبرر لكثير من الدماء. مثلما الشيطان مبرر لكل الخطايا.في رواية ‘’عزازيل’’ التي هي ترجمة يوسف زيدان لمجموعة رقوق قديمة، يقول الأسقف كرلس على لسان المسيح ‘’ما جئت لألقي في الأرض سلاما بل سيفاً’’ تسمعه الجموع المحتشدة في الكنيسة فتهيج وتجن لتسحل بعدها أستاذة الزمان عالمة الرياضيات الجميلة هيباتيا (الكافرة) في شوارع الإسكندرية. تجرد عنها ملابسها وتمزق أعضاءها حتى تصل لمثواها الأخير، كومة حطب تضرم بها النار فتحرقها حية وصراخها يجلجل في أنحاء المدينة.أحكام هدر الدم السائرة اليوم لا تفرق كثيرا عما حدث لهيباتيا سنة 415م.قرأت لأحد المهووسين مقالا يحلم صاحبه أن يحل البابا بندكتس السادس عشر دم يوسف زيدان! في حرم المؤسسات الدينية يغدو الدم سهلا، ربما ترياقا.. كثيرة هي الأضحيات والقرابين التي قدمت لمختلف أنواع الآلهة منذ الأزل. عذارى..حيوانات..رجال ونساء..كفرة.. علماء هراطقة. دماء. لكم تلوثت الآلهة بالدماء. فهل نقتص حقنا البشري من صناع التراث الديني أم من الآلهة؟ويعيد التاريخ الديني نفسه، الأسطورة تعيد نفسها بطرق مختلفة..المتحدث باسم الإله سأل الراهب هيبا عن أعظم الأطباء فأجابه: أمنحوتب، أو أبقراط..رد: بل هو ربنا يسوع المسيح..نفس ما نشهده عند المتحدثين باسم الإله من المسلمين.وهو ما يتبين من قراءة مؤلف لجورج طرابيشي عنوانه (مصائر الفلسفة بين المسيحية والإسلام) حيث ذكر مصطلح الأرثوذوكسية الإسلامية على غرار الأرثوذوكسية المسيحية في أثناء شرحه لموقف الحضارتين من مسألة العقل.عبارات رجال الأديان تتردد هي ذاتها منذ أكثر من ألف.. أكثر من ألفي عام ‘’نحن نعيش زمن الفتن، زمن الجهاد’’.. ‘’طهروا الأرض من أعوان الشيطان’’..كل من خالف المؤسسة ليس مخطئا فقط بل نجس، حتى داخل الدين الواحد هناك نزاعات طائفية تفرق بين الطاهرين والنجسين، نزاعات خالدة لا تنتهي. الدعوات إلى تطهير النفس والجسد لا تنتهي. لكن من بيده بيان لنص الطهارة؟تسجل الرقوق التي لاقت ضجة هائلة مع نشرها، صراع أساقفة الكنيسة في القرون المسيحية الأولى حول طبيعة المسيح، بين مؤيدي مجمع نيقية القائل بأن المسيح هو الله وبين أتباع آريوس القائلين بأن المسيح كان بشراً..والذين حكم عليهم بالحرمان والطرد.وتروي المذكرات رحلة دينية نفسية فلسفية عميقة..يصف بها الشاعر أو الطبيب هيبا بعض الفكر الخرافي آنذاك، كالإيمان بأن بئر الشيطان تقتل من يشرب منها، فيكشف لهم الراهب الطبيب ساخرا أنها مسكن للدود ولا علاقة للشيطان بها.ورغم سخريته فرقوقه تجسد الصراع الدائر بين الإنسان والشيطان.. يلومه هيبا لأنه سبب كل خطيئة اقترفها. حتى ألبسه غوايته للكتابة عن خطيئته مع أوكتافيا.لكن عزازيل (الكلمة العبرية للشيطان) يدافع عن نفسه فينقذ هيبا من تناقضاته وأوهامه..ماذا يقول عزازيل؟أنه ليس محرضا على الآثام؟ما يعتبره البعض إثماً من صنع الشيطان يعتقده آخرون عملاً من صنع الرب. قال عزازيل لهيبا يوماً: هذا ليس صوتي بل صوتك أنت؟ أنا مبرر للخطايا ليس إلا. الإله لا يصنع الإنسان بل العكس.. وأنا أيضا من صنع الإنسان..ماذا يريد الخارج من الدير للأبد، الحر الذي تفاهم مع شيطانه أن يقول:إن الإله وعزازيل يتحكمان بالإنسان وفق السائد؟ يسيران خطوط حياتنا دون تدخل منا؟ أهذا ما نفهمه منك يا هيبا؟ تجرأ الراهب في موضع آخر، فتجاوز وصف تفاصيل علاقة حميمة جمعته بامرأة وثنية، ليصف طيور الحمام وصفا رومانسياً رائعاً. ‘’ لا تفرق ذكوره بين أنثى جميلة وقبيحة، ولا يعرف الفرد منه أبا أو أما بل يعيشون في شركة كاملة لا تعرف أنانية ولا فردانية.. كحال الإنسان أول الأمر.. يختار الرجال من النساء والنساء من الرجال ما يناسب الواحد منهم للعيش حينا في محبة مع الآخر ثم يتركه إذا شاء ويأنس لغيره.. ويصير نسلهم منسوبا لهم جميعاً...’’تمنى مرة لو يكون مثل ذكور الحمام ‘’ أحظى لحظة بمن اقترب مني ثم نطير..’’.اجتمعت التناقضات في شخص واحد. فهيبا راهب استعار اسمه من هيباتيا الكافرة بعرف الكنيسة، وهو شاعر وملحن وطبيب وعاشق .. عشق الحياة والمرح، قبلها عشق أوكتافيا الوثنية الحزينة على ديانتها وعلى معبد هدمه ثيوفيلوس، اعتقد هيبا أنها فاجرة. لماذا يقضي الرجل أوقاتا مع امرأة يحتقرها ويعتقدها آثمة تذكره بخطيئة آدم الأولى؟ بعد عدة أيام قضاها معها ساورته شكوكه التي تلازمه كظله.. من منهما الضال ومن المهتد؟ المرأة الوثنية أم الراهب الزاهد؟ وبعد عشرين عاما كتب يقول ‘’ أوكتافيا الطاهرة’’. حين طلبت منه أوكتافيا البقاء إلى جانبها فكر هيبا الرجل الأناني فردت نفسه عليه. كيف يتخلى عما بناه، عن الطب واللاهوت لأجل امرأة. وحين أحب مرتا وسألته الزواج..أخبرها أن إنجيل متى يحرم الزواج من مطلقة فذلك كأنه زنى..أجابت مرتا: وما الذي كان بيننا بالأمس في الكوخ؟ ألم نكن هناك نزني؟أعادت نفسه ذات الرد الأول.. كيف يتخلى عن كل شيء، عن الطب واللاهوت، لأجل طفلة عشرينية.لكنه في النهاية تخلى عن كل شيء. أفهمه عزازيل كل شيء. أقنعه أن التجسد خرافة، وأن العالم الحقيقي هو الموجود بداخله وليس في اختلاف الوقائع، تصالح مع أفعاله، بدأ يزهو بشعور الجوع وحاجته إلى الطعام. رحل عن الأوهام والخرافات ليعيش حراً.هل ذهب إلى حلب ليتزوج مرتا وينقذها من الغناء؟ أم أنه لم يحب مرتا ولا أوكتافيا؟ أحب فيهما جسديهما العاريين المناقضين (لطهارة) تعاليم الكنيسة؟ قال له عزازيل يوماً ليثنيه عن الانتحار:‘’تحيا يا هيبا لتكتب، فتظل حيا حتى حين تموت في الموعد ، وأظل حيا في كتاباتك..اكتب يا هيبا فمن يكتب لن يموت’’.وقال يأمره بقول الحق: ‘’لا تكن مثل ميت ينطق عن ميتين ليرضي ميتين’’.

نادين البدير

كاتبه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-

http://www.alraimedia.com/alrai/Article.aspx?id=131112

* المقاله منشوره في جريدة الوقت البحرينيه :-

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10531



الجمعة، 1 مايو 2009

بلــــورة

الأحلام تعكس ثقافة الشعوب.
حلمتُ زماناً أنني أجربُ حذاءً. وفسرتْ السيدات من حولي الحلم..
الحذاء معناه عريس.
هل تدرج حقد النساء ليصل إلى ربط الرجل بالحذاء، هونت الأمر بأن يكون الحذاء تمثيل لموطئ قدم جديد عبر الزواج والانتقال للعيش في مكان آخر.
في نومها نزعتْ رفيقتي ذات ليلة عقداً من رقبتها، فقالوا لها إن فقدان زوجها بات وشيكاً.
ورأتْ مخلوقة أخرى ميتة تخبرها بأنها تتعذب في قبرها، فأرجع السبب إلى أنها كانت ترتب حاجبيها في حياتها. حزنوا عليها وأخذوا يرتلون لها الآيات لعل عذابها يهدأ أو يتوقف.
إنْ حلمتَ أنك ترقص، فيعني ذلك أنك ملعون، وإنْ حلمتَ أنك تغني، فقد ارتكبت إثماً كبيراً.
أليس هناك احتمال لحاجة عضلاتك للحركة؟ لأن تكون روحك الصافية قد أخذت تغني في منامك لتسعدك؟
التي تواظب على ارتداء العباءة ترى نفسها في المنام دونها، فيعتقد أن أمرا فاضحا سيصيبها ويهتك سترها.
وترى بلورة الأحلام أن مشهد امرأة تسير منحرفة عن الطريق يعني أن زوجها غير راضٍ عن سلوكياتها.
وحين انطلقتْ تســافر في حلمها وحـيدة خشيتْ ولجأتْ لصاحبة البلورة الشعبيـة، فرأتْ أن مكروهاً سيصيبها؛ لأن سفرها دون محرم حرام.
تفسيرات الأحلام كتفسيرات النصوص لا تخرج عن إطار الطاعة والتقاليد.
هل هكذا أفسر ما أراه في المنام؟ هكذا تختصر أرواح وعوالم وأنفاق خيالات بحكايات مشعوذة أو قصص تقاليد.
مَنْ هم المرحومون في الأرض الذين يحلمون أم الذين لا يعرفون غير عالم الملموس؟
لما لا أتوقف عن الحلم؟ يخبرني كثيرون أنهم لا يرون شيئاً في منامهم. لماذا أنا إذاً؟
ويقول العديد أن الأحلام رمادية، لكني أرى أحلامي ملونة بوضوح.
لا يلبث جفني أن يرى ظلمة حتى ينتقل رأسي لعوالم جديدة، وقصص عجيبة.
أدققُ دوماً، أتأكد أن ما يحدث ليس تكملة لأحلامي، بل من صنع الواقع.
وأحياناً أضطر لأن أدقق أكثر حين تختلط أحلام النوم الغريبة بأحلام اليقظة السعيدة بواقع تعيس. أيهما أختار؟ وأيهما الأصح؟
رأيتك بالأمس، كان عمرك خمسا وستين، وكان البشر يكافئونك لتأليفك قصيدة معروفة وقديمة جداً، لكنها ليستْ لك.
لماذا أتيتني. أعلم أن لي يدا في جلبك وإلا ما كنت تجرأتَ.
كنتَ على مسافة ياردات مني، عجبت كيف ابتلعت الدنيا عشرين عاما منك دون أن أعرف، أخبرني أناس حولي لم أصادفهم يوما أني لم أكن أدرككَ جيداً حتى أني لم أدقق يوماً لأعرف أن شعرك أبيض بامتياز، ونظرتُ إليك أتفحصك للمرة الأولى وألحظ فارق العمر بيننا.
وكيف لم أعلم أنك تكتب شعرا، كيف لم تخبرني أن القصيدة المعروفة كانت من تأليفك، وأنك تحيا منذ ذلك الزمن، لهذه الدرجة كنت أجهلك.
هل يقل التقاء الأرواح قيمة عن التقاء الأبدان؟
تهتُ بين أن أفرح كعادتي؛ لأنني التقيتك كما أقابلك دائما في زحام الدنيا دون أدنى موعد. ألذلك أهواك؟ هل أحمل في داخلي بعضا من رجل لا يحب أن تلاصقه امرأته؟
وتيه بين أن أفرح؛ لأني اكتشفتُ بك حقيقة قد تبعدني عنك؟ تنسيني إياك؟ كذبك. أيكفي أن أعرف سنوات عمرك، وأعرفك شاعرا كي أنساك؟
وكيف تريدني البلورة الشعبية أن أراك، حبيباً في الأربعين أم أباً في الستين، أم أنها لا تملك في دستورها نصاً لحالتنا الخارجة عن التقاليد؟.

نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=129441

* و منشوره في جريدة الوقت البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10464

الجمعة، 10 أبريل 2009

بحبــك يا حمــار

ليس ''حمار الحكيم'' الذي فلسفه توفيق.
بل ''حمار الصغير''.
حماره دخل أبيات الأغنية العربية التي دافعت عن وجوده وعن حقه كحيوان من خلال أداء سعد الصغير؛ حتى صار للحمار نصيب عالٍ من حصة الأغنية الشعبية في سوق المستمعين الذين زاد توجههم في السنوات الأخيرة نحو الأغنيات المعتمدة على استفزاز الأذن قبل التقاليد الفنية. بالكلمات والحركات والأزياء عدا الألحان.
الحمار أثار أزمة. ترددت أخبار عن أن شعبان عبدالرحيم لم يصمت إزاء أغنية (بحبك يا حمار)، فقام بتحذير سعد الصغير من التمادي بحب الحمار في الملاهي الليلية وعلى المسارح؛ لأنه (أي شعبان) صمم على إهداء أغنية للحمار قبل سنوات عدة (أنا بحب الحمار بجد مش هزار)، ويتهم اليوم سعد بسرقتها، وبعد تنافس المطربين على اكتساب ود الحمار حظيت أغنية سعد الصغير بحفاوة شعبية ساحقة.
لكل عصر فئته الشعبية الخارجة عن السائد. ملابس رثة وألفاظ لم يعتدها العرف. سعد وريكو وكثير من المغنين قد يكونون ضمن هذه الفئة.
في العادة تترك تلك المجموعة أثراً أو تحدث تغييراً، فطالما أنها أحدثت ضجيجاً في وقتها، فهي وإن انتهت أو اختفى بريقها سريعاً مثلما ظهر، إلا أنها خطوة أو زاوية من زوايا المستقبل.
ثورة اجتماعية؟ أم سقوط فني؟
في مظهرها لا تبدو الأغاني الجديدة ثورة اجتماعية، قريبة هي إلى زعيق أولاد الشوارع.
وليس التأقلم مع تلك الأغاني ممارسة للانفتاح على كل ما هو جديد وعصري، التأقلم والعصرية ليس قبول كل شيء، وأي شيء.
حين ظهر ''الهيبيز'' في الغرب ارتدوا ملابس تتحدى الذوق العام في تلك الفترة، واعتمدوا المظهر البوهيمي ومارسوا أنواع الإباحية، واليوم يعتقد الكثير من هيبيز الماضي أنه ليس من داع لاستمرار ذلك النهج الحياتي المتخبط بعد انتهاء الثائرين من تنفيذ مرادهم. فبعد الحرية العشوائية المؤقتة دعت الحاجة إلى الاستقرار عبر الحرية الواسعة المنظمة والمسؤولة.
واليوم يزعم نجوم موسيقى الروك (المتهمون بعبادة الشيطان) أن لديهم رسالة يوصلونها من خلال ألفاظ ينتقدون فيها مبادئ لا يريدونها، ولإثبات سلامة أهدافهم يشاركون بالأعمال الخيرية العالمية، وقد طالب أهم نجوم الروك زعماء العالم بتخفيف أعباء الديون عن المنطقة الإفريقية المنكوبة، وعملوا بجهد كبير لكبح داء الأيدز عن الانتشار هناك.
إذا كانت الأغنية طريقا قصيرا لإيصال رسالة، فهل يملك المغنون المصريون واللبنانيون الجدد مشروعا مجتمعيا أو سياسيا؟
واحدة تتغزل بالحصان، وآخر بالحمامة، وثالث بالعنب، وهناك من تنتظر دورها على ''الرووف''.
الموضة الجديدة هي التحول إلى دائرة الحيوان والنبات، الموضة التغني بجزمة بوش والحنطور.
هل من ضمن المشروع تشويه الموسيقى، وتعليم الفراغ.
هل الأغنية انعكاس لثقافة الأفراد؟ أم أن الأغنية هي التي تصنع الثقافة؟
جزء كبير من الثقافة يتشكل اليوم عبر شاشات المنازل. يستقبل الفرد كلمات لم يعتد أن تدخل منزله، لكنها تعجبه أو ينصت لبرنامج ديني يتدرج حجم تطرفه بين البسيط والمعقد، وكلها تصب في الزاوية ذاتها.
في كل مرة تناقش بها أوضاع الفن يتردد لفظ (العري) آلاف المرات وتهمل الألحان، كلمات الأغاني، مستوى المطربين.
المسألة ليست في العري أبداً، وكأن العري شيء جديد على الفرد العربي.
كانت الراقصات في الأفلام القديمة وحتى الممثلات يرتدين ملابس كاشفة جداً لم تقم بارتدائها أي مطربة اليوم، ولم يكن المجتمع العربي يكتبه أو ينتقده ويهاجمه.
حالة الجسد المكشوف هي حالة قديمة ومعتادة.
كان الجسد شبه العاري مكملاً للروح الموسيقية متعانقاً معها. كان الجسد مكشوفاً بوقار. اليوم تؤدي الموسيقى دور الكومبارس الذي يقف خلف الباحثات عن الثروات.
وفي بعض المقطوعات، اجتمع لحن ملائكي منزل من السماء مع أجساد الإناث وصوت فريد الأطرش المستحيل لتتشكل لوحة إنسانية نادرة، كما في أغنيته الربيع الذي نعيشه هذا الشهر.
وأنا يمرني الربيع هذه الأيام. وأكتب عمن يريد أن يطعم حماره آيس كريم بدل البرسيم.

نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=124609

* و منشوره في جريدة الوقت البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10248

الجمعة، 3 أبريل 2009

في الملتقى الإعلامي روت لي نبوءة أبيها: لن تنجحي.. لأنك شريفة


أثناء تكويني الفكري استمعت لبعض الأهل يتحدثون عن قصة شابة كانت تربطهم بها قرابة بعيدة، واجهت ظروفاً صعبة في صباها، ثم أثارت دهشة الكثيرين وحنق البعض وهي تتخطاها وتتحداها لتكمل مشوارها الذي اختارته. طوعت الظروف وسارت بدرب رسمته بيديها. كان الإعلام حلمها.قالوا إنها كانت حديث الجميع. فمَنْ المرأة التي تتجرأ على التقاليد في أوائل السبعينات وتفكر بالعمل الإذاعي.لفترة طويلة وإرادة تلك الفتاة المجهولة التي سمعت عنها تمدني بأشياء من الصلابة وبروح الحياة رغم أني لم أرها ولم ألتق بها قط ولا أعرف حتى اسمها، وحسبت أنها مذيعة عادية بإحدى القنوات المحلية، اكتفيت بكلمتين عنها علقتا بذاكرتي: أرادت، نفذت.وفي نيسان الماضي حضرت إلى الكويت للمشاركة في إحدى ندوات الملتقى الإعلامي العربي الذي يرأسه الإعلامي الكويتي الأستاذ ماضي الخميس. كنت مدعوة في مثل هذا اليوم على العشاء ضمن الوفد السعودي الموجود آنذاك. هاتفني الأستاذ ماضي وقال لي: السيدة هدى ذاهبة، روحي معها بالسيارة نفسها.كانت فرصة للتعرف شخصياً إلى الإعلامية العريقة التي ينوي الملتقى الإعلامي تكريمها في اليوم التالي.في بهو فندق شيراتون كنت أنتظرها عند المدخل. رأيت هدى الرشيد قادمة نحوي، عرفنا بعضنا دون أن نلتفت باحثات بين الجموع التي كانت تملأ البهو استعدادا لافتتاح الملتقى في اليوم التالي.فوجئت بها، جميلة، أنيقة جداً، شعرها قصير. وماكياجها بسيط. تبدو كسيدات المجتمع الأوروبي. تحدثنا في السيارة كثيراً، وصارت تسألني عن عملي وأسألها عن حياتها.حين وصلنا المجلس الذي كان يضم عشرات الرجال وأربعة أو خمسة سيدات جالسات مع بعضهن كنت أهم بالجلوس حين قالت لي: لن نجلس قبل مصافحة الجميع. قام الجميع من مقاعدهم وأخذنا نصافح عددا كبيرا من الرجال، وحين انتهينا جلسنا قرب السيدات، فقالت متذمرة: لا يعجبني الجلوس هنا في الزاوية. المفترض أن نتوسط الحاضرين. كانت تلك هي السعودية الأولى في حياتي التي ترغب في توسط الحاضرين دون الانزواء خجلاً. صعب لدى الكثيرات أن تتطابق مبادئهن العليا بتفاصيل عاداتهن اليومية.حين أعلن عن العشاء، همست في أذني: لن نقبل أن نجلس إلا في مقدمة المائدة، وهكذا كان.في اليوم التالي كرمها الملتقى الإعلامي بجائزته التقديرية.هدى الرشيد السعودية التي أمضت 32 عاما كمذيعة رئيسة في إذاعة الـ’’بي بي سي’’ البريطانية، وتردد عبر الأثير: هنا لندن.صادقتها ولم أصدق نموذجها الفريد. تملك روحاً شجاعة تجهل الكلل. وصممت بعدها على إجراء حوار معها.حضرت من لندن.روت قصتها في الانتقال من السعودية إلى الحياة في بريطانيا، ووصفت معارضة أبيها الشديدة لانتماء ابنته لعالم الإذاعة.حين أعلنت لأبيها أنها تريد أن تكون مذيعة حاول التثبيط من همتها:‘’لن تنجحي في هذا العمل؛ لأنك شريفة’’.لكنها أصرتْ على المضي في العمل الإعلامي الذي تحتكر النجاح فيه كل من فقدت شرفها، كما يعتقد والدها، ستثبت لأبيها أن النجاح والشرف مقدر لهما أن يلتقيا، فلا شرف دون طموح، ولا نجاح أبدي لمن يتطاول على قيمه.وبعد مدة من خروج صوتها عبر الأثير صار الأب يخبر الجميع عن ابنته التي رفعت رأسه عالمياً.. حتى كان يسأل سائق التاكسي: أتعرف ابنتي.. المذيعة الشهيرة في الـ’’بي بي سي’’.. وانتقل لاحقا للإقامة عند ابنته التي صارت مصدر فخره.نجاحها كان أبدياً.لكن النجاح لا يأتي بسهولة: ‘’كنت أبكي كثيرا في الحمام في مبنى البي بي سي’’ ‘’حققت كل ما أريد مع بعض الفجوات المحزنة، هل توجد سعادة من دون فجوات’’.بعدما أذيع الحوار صارت الاتصالات تتوالى على هاتفي: أهي هدى؟ هل هي سعودية أصلية؟كنا نظن صوتها ملكاً لمذيعة عراقية، وكم سنة صار لها في بريطانيا؟ وما أسباب هجرتها؟.شيء حزين.اثنان وثلاثون عاما من العمل في أعظم المحطات الإخبارية ولا يعلم عنها مواطنوها انتماءها لبلدهم، كما لم يتم تكريمها في أي من الاحتفاليات الوطنية! واضح أنها لم تكن تهدف لشهرة وضجيج. واضح أنها كانت تهوى عملها حبا جماً، وواضح أن هناك نكراناً وإهمالاً للطاقات العربية المهاجرة، كما يحدث دائماً، وأعتقد أن هذا هو سبب وجودها في الخارج، فأولئك الذين علموا تماماً مقدار ما يمكن أن تمنحه الأرض العربية، وعلموا تماماً موهبتهم التي تضيق عليها مساحات بلدانهم قرروا منذ زمن بعيد الهجرة، وبقي هنا الحالمون بمستقبل أفضل، أو بقي الذين لا يعلمون أنهم يملكون الموهبة. وهدى ضمن الندرة التي عرفت أنها تملك الموهبة، وعرفت أين وكيف تستغلها؟أما أهم اتصال جاء كتعليق على الحوار، فكان من إحدى قريباتي تخبرني أن ضيفتي هي الفتاة ذاتها التي كنت أستمع لحكايتها في صغري.علاقتي بها بدأت منذ خمس عشرة سنة، وتعتقد هي أنها تعرفني منذ عام واحد فقط.المرأة ذاتها التي أمدتني بالقدرة على التمسك بالحلم، تمدني اليوم بالرغبة في الحلم من جديد، وعن قرب تعرفني على أجمل نموذج مستقبلي يمكن أن تحلم به أي سيدة.هذا شكري أوجهه للملتقى الإعلامي العربي الذي لولا تكريمه لهدى الرشيد ما كنت تعرفت إلى واحدة من أسباب تكويني.وهنيئاً للملتقى (الذي يبدأ دورته السنوية غداً) بمنجزاته الحية، والتي آمل أن تكون ككل سنة مفاجئة معطاء.
نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه
* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
* و منشوره ايضًا في جريدة الوقت البحرينيه :-