السبت، 13 سبتمبر 2008

قتل الأنثى.. اللذة الأبدية


بمَ يشعر القاتل؟ السفاح تحديداً؟ أي شخص يتلذذ بمشهد الجريمة.. وكيف اتفق أن تكون ضحية أشهر السفاحين أنثى دائماً؟ طفلة، شابة، كهلة، الضحية المختارة أنثى.. من جاك السفاح، أيديجين الذي أكل من لحم ضحاياه النساء وقيل إنه صنع من عظامهن الكراسي إلى الأختان ريا وسكينة. وصولاً إلى القاتلة المكسيكية الحديثة جوانا بارازا التي حوكمت وتم سجنها لنحو 759 عاما. اختارت جوانا أربعين جسداً أنثويا من بلدها المكسيك ليكن بطلات مسرح جرائمها على مدى سنوات طويلة.. حتى عندما قررت المرأة أن تصبح سفاحة كانت ضحيتها أنثى.. مستقبلاً ستلغى فرضية قتل الأنثى العربية من أجل محو العار أو لحماية الشرف.. هناك سر في الأنثى يداعب جفون المختلين والسفاحين. وقد يداعب جفون اللاوعي داخل كل إنسي، بدليل أنها مضطهدة في كثير من المجتمعات. اضطهادها وسيلة أخرى لتعذيبها ثم التلذذ بمشهد العذاب.هل يكمن ذلك السر في ضعفها، أو الإعجاز المفرط في جمال تكوينها؟ أم كونها مصدرا للخصوبة سيدفع العقل لأن يغار أو يقف عاجزاً عن تفسير قدرة الأنثى على إنتاج الخلق، فيقرر محوها من الوجود؟ في الأيام الماضية كنت أتابع قتلا وحشيا من نوع آخر ترافق مع مقتل سوزان تميم.. جريمة معاصرة نوعاً ما. طفلات ومراهقات بين أحضان راشدين أو مخرفين.. القضية شغلت عددا من المواقع الإعلامية، وهي قضية جيل قادم بأكمله.. جيل مريض سيتكون نتيجة أربطة تزاوج رسمية بين عناصر متضادة، الطفولة والكهولة.. فتاة في الخامسة عشرة وزوج في السبعين..طفلة في الثامنة وعريس خمسيني.. وسيطلق على الرباط اسم عائلة مجازاً. وسيحكى أن الرذيلة انتهت من البلد، وأن عدد الزيجات في ارتفاع. القيمة الاجتماعية من ذاك الارتباط هي سد الرجل لشهوته دون أن يصيع أو يضيع، بينما القيمة الحقيقية هي سد السفاح القديم لشهوته الأبدية بقتل الأنثى. القصة التي أثيرت مؤخراً هي لطفلة في الثامنة من عمرها رفعت والدتها قضية ضد أبيها الذي زوجها وهي في غفلة الطفولة من خمسيني.. آخر الأنباء حول القصة تدلل على سخرية القدر فالقاضي ينوي التريث كثيرا قبل إصدار حكم التطليق فقد يتم الاتفاق بين العروسين بدلاً عن الطلاق. ظهر حينها شيخ ليؤكد أن الطفلة التي زوجت دون علم منها لها الخيار إذا كبرت في البقاء أو فسخ النكاح.. ماذا سيبقى منها إذا كبرت؟ الحجة الروتينية المستخدمة في هكذا زيجات أن الرسول تزوج عائشة وهي في التاسعة من العمر.. وقبل أسبوع ظهر اجتهاد مفاده أن عائشة كانت في التاسعة عشرة وليس التاسعة حين تزوجها الرسول. إن كان الاجتهاد هدفه تهوين المسألة على أبناء العصر فليس من داع لتجميل المسألة، ما كان صالحاً زمن الرسول ليس بالضرورة صالحا اليوم. ثم إن الطفلة التي أرغمت قبل ستين عاما من الزواج في سن العاشرة، لديها اليوم ما قد يحميها بدءا من اتفاقية حقوق الطفلة العالمية وحتى جمعيات حقوق الإنسان المنتشرة. أي لغة مشتركة يمكنها أن تتولد من جراء هذا الالتقاء وتلك المسافة بين الأزمان؟ أي سكون وطمأنينة ستخلق بين أقطاب من حدود وعوالم مختلفة؟ الجريمة لا تقتصر على اغتصاب قانوني لطفلة دون العاشرة يذكر بالاغتصاب الجماعي القانوني في بعض القرى الهمجية بباكستان، والسفاح ليس وحده مهووس الطفلات والرضيعات. كل هؤلاء الرجال الذين يتزوجون فتيات بأقل من ربع أعمارهم، هم السفاحون الجدد.. كانوا أضعف من نهش جسد الأنثى بالسكاكين، فخلقوا لتشويه معالمه أدوات معاصرة. أجسادهم القديمة. أما الروح الأنثوية البضة الفتية فتلوثت بعدما امتزجت بروح سئمت الحياة وعافتها، روح متقاعدة. ولو أنها لم تكن متهالكة منتهية ما وصلت لمسرح الجريمة..كانت اختارت لها رفقة من ذات العمر ومضت. أربعون. خمسون أو ستون. كما هو دارج في خارج هذه البقعة، وكما هو دارج في كل مجتمع يحترم أسس تكوين الأسرة.ليس أكثر من الإناث المعروضات في هذه المنطقة، معروضات للدعارة، للبيع. للزواج.. أكبر سوق نخاسة هنا. هل من فارق بين أب دمر طفلته بتزويجها من طاعن. وبين آخر دمرها بإرغامها على ممارسة الدعارة؟ متى يسن القانون ويعاقب المجرمون؟

نادين البدير
كاتبه و إعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=78562
* و منشوره أيضًا في جريدة البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=8079

الجمعة، 5 سبتمبر 2008

النعرة القبائلية تؤجل إراقة فنجان الدم


قبل أيام أصدرت محطة MBC قراراً بتأجيل عرض حلقات مسلسل (فنجان الدم) إثر موجة غضب واعتراضات من جهات قبلية معينة ضد بث المسلسل الذي يسرد تاريخ نزاع بين قبائل بدوية في القرن الثامن عشر زمن الحكم العثماني... المعارضون لبث المسلسل قالوا أنهم يخشون إشعال النعرة القبائلية وتغذيتها عبر هذه الحكايات التلفزيونية التي تحظى بلا شك بنسبة مشاهدة كبيرة سيتكشف لها الماضي بحلاوته ومرارته...المعارضون يخشون فتيل الفتنة. المعارضون مدججون بالتعصب والقبلية.النعرة القبائلية.. في هذا الزمن؟ حين عبر العالم بوابة الألفية الثالثة، هل بقيت القبيلة خارج حدود الحاضر؟ فنجان الدم عنوان يكشف عن تفاصيل دموية قد تكون منفرة، ولا أعلم الفكرة التي استوحى منها صاحب العمل مشهداً لفنجان يريق دما قانياً بدلاً عن القهوة.. أهي إشارة لغدر عربي قديم؟ أم أنه مجرد ربط مجازي لسوائل الصحراء.. قهوة البادية الساخنة بالدم البدوي الحار..ثار بعض شيوخ القبائل على فكرة سرد قصص جرت أحداثها في القرن الثامن عشر، أصبحت المسألة شخصية وعمد أصحاب الأمر للدفاع عن عراقة وسمعة الأجداد من التشويه.. إذا كان لكل أصحاب حدث، سلالة تمنع تداوله فمتى تسرد الحكاية ؟هؤلاء الذين تقاتلوا في القديم هم من صنع تاريخ هذه المنطقة، تاريخنا نحن.. فلماذا نحرم من معرفة التاريخولو كان مليئا بفناجين الدم، لماذا يخجل الأحفاد بالأجداد؟امتدادات القبيلة تتحكم في ما نشاهده من تاريخ، تتحكم في الصورة، والأنظمة تتحكم في كل ما نقرأه ونشاهده، بالصور والصفحات، ونحن شعوب مصدرها المعرفي الوحيد الألوان، فغالبيتنا لا تقرأ..في النهاية وسائل المعرفة الحاضرة تتقلص وتنكمش، فهذا البرنامج يسيء للسياسي، وذاك الكتاب يسيء لرجل الدين، وتلك المادة ستثير فتنة طائفية أما المسلسل المقصود فسيعيد حروب القبائل، وفي بعض الدول تحجب آلاف المواقع الانترنتية لعدم توافقها مع الفكر السياسي الداخلي.. ماذا بقي للمشاهد أو القارئ ؟ لم يتبق سوى مواد هز الوسط لضمان رضا جميع الجهات السياسية والاجتماعية والقبلية والدينية...لكي يرضى الجميع يجب أن يُنسى التاريخ ولا يقرأ أحد الحقيقة. حقيقة تاريخ مختلف مفاجئ بعض الأحيان، فاروق مظلوم. الحب لم يكن حرام في التاريخ الإسلامي. رمال المنطقة الشقراء قد صبغت بالدم الأحمر يوماً..أما السينما الغربية فتحفل بتاريخ الغزوات بين القبائل القديمة.. بريطانيا وفرنسا لا تخشيان من إثارة الفتنة بين الشعبين حين يعرض المخرجون أفلام الحروب التي دارت بين الدولتين المتطاحنتين في القديم.. فيلم حديث بطلته سكارلت جوهانسون يصور حياة الملكة آن بولين التي أعدمت بعد فضيحتها مع أخيها، والملكة آن هي أم الملكة إليزابيث الأولى.. لم تتدخل إليزابيث الثانية اليوم لإيقاف عرض فضيحة جدتها وطمعها وظلمها لشقيقتها..لم تحدث قلائل وبلابل في العائلة المالكة البريطانية رغم فيلم يتعرض لجدة الملكة مباشرة.لم توقف الولايات المتحدة عروض همجية الكاوبوي، لم يساورها قلق من تصوير أفلام أبرزت طمع الأبيض ومجازره في خيام الهنود الحمر. أطلقت العنان لصناع السينما كي يحكوا كيفما شاءوا عن العنصرية ضد السود في الماضي، الأهم أنهم جسدوا كيف انتهت تلك العنصرية رسمياً... ولم تثر تلك الأفلام الفتن، بدليل مرشح للرئاسة من عرق أسود.أفلام ومسلسلات بالآلاف تروي مجازر الحروب العالمية الأولى والثانية، لم يهب أحد من تجديد النعرات العرقية أو تحريض شعوب ناقمة.كيف انتهت من عندهم الفتن ولا تزال تسكننا النعرات؟يعرفون أنه تاريخ. انتهى. تعدوه، ولذلك هم هناك بين الكواكب. ونحن تسكننا لعنة تاريخنا، نغوص في الرمال خجلاً أو خوفاً. ورغم ذلك نتسابق على من يملك الحظ الأوفر في الامتداد القبلي..ولا نرضى بغير إنتاج تلفزيوني يصور عهد البطولات الحميدة ضد الفرس أو الصليبيين.. قتلنا من كثرة مشاهدة مسلسلات تاريخية تروي ذات الحدث لذات الشخص وبذات الممثلين.. مجرد الخوف من النعرة القبلية تعني أننا ما زلنا نحيا عهد القبائل المتنازعة، ولا يردع فناجين الدم سوى قانون الدولة الحديثة... أزيحت الرمال وبنيت الأبراج وبقيت عقلية الفخذ والقبيلة. أو لعلها تركت لحاجة في نفس يعقوب.
نادين البدير
كاتبه و إعلاميه عربيه سعوديه
* المقال منشور في جريدة الرأي الكويتيه :-
* المقال منشور أيضًا في جريدة الوقت البحرينيه:-