الجمعة، 22 مايو 2009

الكويت تعيش حالة ازدهار مجتمعي

الأسئلة التي كانت متداولة إعلامياً منذ بدء إشراك المرأة في العملية الانتخابية هي: لم لم تصوت المرأة للمرأة؟ لم صوتت المرأة للإسلاميين؟ هل يؤكد هذا عداء الإناث لبعضهن؟
بعد كل خسارة انتخابية نسائية (عربية عموماً) تعاد ذات الأسئلة وتصاغ ذات الأجوبة.. أحكام ماسخة متداولة توجه لكل من انضمت للمنافسة السياسية.
البعض سخر من وطنيتهن التي ‘’ لا تتعدى البحث عن الشهرة’’. البعض قال أن برامجهن الانتخابية ضعيفة جداً. بحثوا عن أدق التفاصيل في ملابسهن وماكياجهن وشعرهن. أشاروا بتقليدية مزيفة لاختلاطهن بالرجال. شمتوا بعدم اكتراث المجتمع منطقياً للتصويت لعقول أنثوية لا تملك صاحباتها شيئا تقدمه سوى تزيين البرلمانات وإلهاء ذكوره.
ليس هينا على المرأة العادية الاستماع لتلك الانتقادات التي لا تخلو من التجريح في أجواء داعمة يتزايد بها طغيان العرف والقبلية، وليس هيناً عليها التعايش مع موجة الصد لمرتين ولثلاثة انتخابات متتالية وتجاوزها في كل مرة.
لكن أولئك النساء لسن عاديات.
هذا وصف لما عايشته ورأيته في أعين عدد من المرشحات منذ دخلت المرأة الكويتية الانتخابات.. حماسهن للقضاء على الفساد، جلدهن، جرأتهن.
بعد عقود من المطالبة، تفوز أربعة نساء بالانتخاب المباشر ودون الحاجة لنظام الكوتا.
كان لي حوار مع عدد منهن بعد خسارتين، بدأن يتحدثن عن أهمية المطالبة بكوتا (حصص) تضمن مقاعد نسائية في البرلمان، فانصراف المصوتين جعل الطريق تبدو مستحيلة، لكن نجاحهن هذا العام يلغي الحاجة إلى أي كوتا. فالمشاركة السياسية بعد وقت قصير من إقرارها إنجازا لم تحققه كثير من العربيات. في المغرب (حيث الحقوق النسوية بأقصى تقدمها) أقر حق ترشح المرأة ومشاركتها في البرلمان منذ العام 1963 لكنها غابت عن نتائج الانتخابات التشريعية منذ تلك المدة ولم تدخل للبرلمان سوى عام 1993 أي بعد ثلاثين عاما. وبقي وجودها محدودا حتى أقر نظام الكوتا.
أسباب الغياب عربية، فالأمر لا يتعلق ببرامج انتخابية أو بأهداف سياسية، كل شيء يتوقف حول الأنثى المرشحة وليس السياسية المرشحة.
هذا سؤال عربي يطرح داخلياً في غالبية البلدان العربية والإسلامية. كيف تدخل أعضاء أنثوية للبرلمان؟ للوزارات؟ لقطاعات الصناعة؟ لبناء الجسور والأبراج؟ لمحطات البنزين؟
والخوف كل الخوف: هل ستكتفي الإناث بالاستقلال أم ستحل الإناث محل الذكور يوماً؟
كيف يسمح بأن تؤنث المدينة؟ فعلياً لا لغوياً فقط؟
أغواية أن تؤنث المدينة؟
أعتقد أن أعداداً مجتمعية تحمل نتيجة الفوز الكويتي بتجاوزها الاهتمام بإيجاد إجابات على الأسئلة السابقة. التقدم الفكري للمجتمع هو الذي أوصل أولئك البرلمانيات رغم وجود أصوات كثيرة متأخرة ومتطرفة.
بعد أول خسارة برلمانية للمرأة، أنتج فيلم للمخرج الكويتي وليد العوضي بعنوان عاصفة من الجنوب. كان وثائقيا عاطفياً يعايش حياة ثلاث مرشحات كويتيات في مراحل الانتخاب المختلفة وصولا إلى دموع الخسارة. في إحدى اللقطات يظهر زوج إحدى المرشحات وهو يعلق على انتقادات قبيلته لموافقته على إشراك زوجته (المرأة) في الانتخابات، قائلاً بأنه مستعد لأن يذود عنها ويفديها بكل ما يملك حتى بأبنائه..
كم امرأة في الخليج قد تواتيها فرصة أن يقف إلى جوارها رجل يقول لأجلها وأمام الملأ تلك الكلمات.
فرصنا قليلة جداً..
تظهر رولا دشتي في الفيلم نفسه، تقف الأنثى الوحيدة في ديوانية مليئة بالرجال، وتحكي معهم بصوت مرتفع..
كم امرأة في الخليج تعلم أن لصوتها المرتفع مكانة عالية وشرط إنساني لإعلاء ذلك الصوت أمام الناس؟
هذه هي الروح المجتمعية الكويتية التي أوصلت النساء للبرلمان. والتي كشفت عن ازدهار اجتماعي أكثر منه ازدهار سياسي.
الصعوبة كانت في البداية، تطلب الأمر تأقلماً محلياً مع ذهاب الرجل لمراكز الاقتراع والتصويت لامرأة يعتقد آلاف غيره أن مكانها بين طاولة البصل وسرير الرغبة، تطلب ثقة النساء بعناصرهن وتجاوز الخوف من الذات.
وكيف لا تثق بسيدات سياسيات محنكات. أسيل العوضي تمد يدها للجميع، لمن يعتبرها حليفة ولمن اعتبرها خصما في الانتخابات.
كذلك كانت ردود الفعل الأكثر تأثيراً بعد خسارة العام الماضي..
المرشحات لم يغضبن قدر شماتة المنافسين بهن، روحهن الوطنية العالية باركت لكل من فاز وهنأت به الوطن. أعتقد أن هذا هو المهم الآن، أن لا تتحول الساحة الفكرية والسياسية لحلبة تراشق بين الليبراليين والإسلاميين، بين النساء ومناهضي تحرر النساء، بين النساء أنفسهن. بل لحلبة تنافس على الخدمة العامة.
اليوم يقولون أن وجودها في البرلمان الكويتي سيقلل من حدة العنف فيه. وسيزيد من عقلنة قراراته. مؤكد أن أسيل العوضي ورولا دشتي ومعصومة المبارك وسلوى الجسار وصلن درجة الكمال في النظرة للوطن. لكن البعض يريد للمرأة أن تضفي الكمال الإلهي لأي منصب تصل إليه، طالما أنها منيت به أخيراً. هل يطلب ذات الأمر من الرجال؟ ألا يخطئ الرجال؟ لم على المرأة أن تكون مثالية جداً وكاملة للغاية؟


نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/alrai/Article.aspx?id=134061

* المقاله منشوره في جريدة الوقت البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=10661