السبت، 20 يونيو 2009

زينيت Zenith


كان يورج شيفر ودانيال غيالاخ يكملان دراستهما الجامعية عن الشرقيات والحياة العربية السياسية والثقافية، حين خطرت لهما فكرة تأسيس المجلة قبل عشر سنوات (قبل الحادي عشر من سبتمبر)... ولعهما الألماني بالمشرق دفعهما لتخصيص صفحاتها عن العالم الإسلامي. اسمها زينيتZenith كلمة ألمانية ذات أصول عربية وصلت لأوروبا في العصور الوسطى وتعني الشمس في أوج توسطها السماء. يقول الناشران الشابان انها كانت مشروعا دراسيا قاما ببيع أعداده لطلبة الجامعة، لكنها اليوم تطبع من برلين وتوزع في ألمانيا ودول أوروبية عدة متخصصة بالكامل بالتعريف عن الشرق الإسلامي ومشكلاته وتفاصيل حياته وتعقيداته.ليس المشرق الذي رسمه المستشرق الأوروبي القديم، نساء عاريات في الحريم. سلطان يتابع راقصاته وجارياته. لم يعد المستشرق مهووساً برفاهية السلاطين، ولم يعد يعير اهتماما لتخيل الجمال الشرقي وتلوين كائنات لم يشاهدها يوماً. المستشرق اليوم أصبح صحافياً عميقاً ويكتب عن اضطهاد النساء في الحريم، لم يعد يرى أي جمال في العري داخل السجن كما لا يغريه التحاف المرأة بالأغطية. يرفض الاستسلام للصمت إزاء مشكلات جرائم الشرف التي ترتكب باسم الدين، ولا يعجبه أن يتمتع بالديموقراطية وغيره مازال يئن من أوجاع الديكتاتورية.هكذا يمكن وصف يورج ودانيال اللذين كرسا حياتهما الصحافية للتعبير عن أوجاع الشرق وعن جمال ثقافته أيضاً، فليس التركيز منحصرا على الإرهاب كترجمة عالمية حديثة للشرق الإسلامي بعد الأحداث التفجيرية. يقولان انهما وجدا صعوبة في البداية في جذب الشركات الإعلانية لتمويل المجلة، فقد كانت الشركات تنظر ذات النظرة للإسلام والعالم الإسلامي، المعلنون لا يريدون التعاون مع مجلة تتعاطى دينا إرهابيا وتحكي عن شعوب إرهابية. لكن مع الوقت ومع طبيعة القضايا المطروحة أخذ القارئ الألماني يحملها محمل الجدية وأخذت الشركات تنشر إعلاناتها بطبيعية.من المغرب لأفغانستان. هكذا تعرف زينيت عن اهتماماتها.أفغانستان، العراق، معركة الحجاب، الطوائف، العادات الشرقية الرائعة، الموسيقى، الأغاني، مستقبل الشباب، مفكرون مقموعون، شعور الرجل الشرقي ببداية فقدان دوره البطريركي. تعرض زينيت بأحد أعدادها جرائم الشرف التي ترتكب في أوروبا بين المسلمين. تحديدا بين عدد من الأتراك في ألمانيا قاموا بقتل بناتهم غسلاً للعار وكانت النتيجة أنهم في السجن حتى الآن.على غلاف المجلة كانت صورة فتاة تتعرض للخنق، هكذا تنقذ وسائل الإعلام الغربية حياة النساء وتخدم قضاياهن.الطريف ردود الفعل المتطرفة في أوروبا تجاه تناول المجلة للقضية الفلسطينية - الإسرائيلية. إذ اتخذت المجلة موقفا محايداً في عرض قضايا كل من الطرفين. حيث تنشر مواضيع ناقدة جدا عن تجاوزات إسرائيل في ذات الوقت الذي تحاور به إسرائيليون ويهود داعيين للسلام، وتؤكد عبر تقاريرها أحقية الفلسطينيين للعيش بسلام لكنها لا تتأخر عن تصوير ما تفعله «حماس» من تأخير لعملية السلام. ورغم ذلك يتهمها بعض المتطرفين اليهود بمعاداتها لهم وبتمويلها من أحد أمراء الخليج، أما المتطرفون المسلمون فيؤكدون أن الموساد هو الذي يمولها ويرعاها.موقف متطرف طبيعي، فعرض القضايا بمهنية وحرية وعدالة يؤذي وجود التطرف الذي يعتاش ويتغذى على طمس الحقائق.وفيما يرشقها الطرفان بالاتهامات فإن كثيرين آخرين يعتمدون على المجلة في استقاء معلومات عن المشرق العربي والإسلامي.قضايا المشرق بقلم غربي. الهدف هو تقريب العرب للغرب. فكرة بسيطة جداً وتغني عن آلاف المؤتمرات العربية الرسمية التي تعقد في العالم دون أي جدوى، فتزوير الثقافة الشرقية وإظهار الصورة الحسنة فقط أمر مكشوف. أما حين تكون محاولة عرض الصورة الحقيقية الجميلة والسيئة للشرق آتية من الداخل الغربي فإنها تغدو أكثر إقناعاً.محاولات بعض الحكومات العربية لتجميل صورتها في غالبيتها محاولات مضحكة فالغرب ليس غبياً، إذ فيما ترسل له الحكومة العربية معلومة خاطئة عن الداخل المجتمعي، فإن مراسليه قد قاموا مسبقا بتولي المهمة وفهم حقيقة ما يحدث. هل يصدقنا صحافي أوروبي إن قلنا له كل شيء على ما يرام، والإصلاح يجري على قدم وساق؟هل يكتفي بمشاهدة الأبراج التي بنيناها وعدد الجامعات ليهرع ويكتب عن التقدم الذي تعيشه الدول هنا؟يعرف شيفر وغيالاخ عن العالم العربي أكثر مما يعرفه كثير من أبنائه. وهما لا يهتمان بالقضايا الدينية السياسية فقط، بل يبدو ظاهرا على محياهما حبهما للصحراء وللمنطقة التي طالما أثارت ودغدغت فكر الأوروبيين.*وقفت أنا ويورج في ساحة بيبلبلاتز على ذكرى الحرق النازي للكتب ببرلين عام 1933، زجاجة مربعة في وسط أرضية ساحة الحريق ومن خلال الزجاج الشفاف يمكن مشاهدة جدران مليئة بأرفف الكتب الفارغة نفذها الفنان الإسرائيلي ميشا أولما. كتب هناك عبارة للمفكر الألماني هاينرش هاين( فقط في الأماكن التي تحرق بها الكتب يغدو حرق الإنسان ممكنا أيضاً).تصدح أجراس الكنائس وتعلو في فضاء برلين، تعزف موسيقى تطرب دون أن تؤذي مشاعر أحد، فقد ارتاحوا قديما من منح الفرصة لكل مارق على الدين للحكم والتفرقة بين الناس.
نادين البدير
كاتبه عربيه سعوديه
* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
* المقاله منشوره في جريدة الوقت البحرينيه :-