الجمعة، 13 فبراير 2009

فالنتاين بمقاييس عربية


قبل أعوام عدة كانت بداية عهد الحب العربي بمفهوم الفالنتاين.. أصبح مثار جدل الجميع بين الحرام والحلال وأصله المسيحي وكارثة الدخيل والغريب على الثقافة العربية..
كيف يكون للحب عيد؟
لو أن الفالنتاين كان عيد معركة اقتتل فيها البشر لاستقبل بالأهازيج. مثل عيد الاستقلال.. مثل ذكرى الحروب.. وكل ذكريات بغض بشري.
لكن مسألة الاحتفال بالسلام العلني بين الجنسين توقظ مخاوف دفينة، وتقضي على إنجازات أبدعت بتأسيس ثقافة الشك والخوف تجاه الجنس الآخر كأقرب وسيلة للخلاص من اتحادهما..
لا أعلم إن كان المؤسس الأول ذكرا أم أنثى لكن ملايين النساء والرجال اتبعوه وسلكوا نهجه في كراهية النصف الآخر.
في منطقتي صودرت ولا تزال تصادر الورود الحمراء من كل المحلات، رغم أن ورودنا مستوردة ولا رائحة لها، لا يعود اللون الأحمر متداولا في يوم الحب.. كل ما هو مصبوغ بالأحمر القاني يتحول لبضاعة رائجة وثمينة في السوق السوداء. مجرد التفكير ببيعه أو محاولة اقتنائه يؤكد على تبعية البائع والمشتري للقديس فالنتاين..
وفي مصر دعا أزهريون لإيقاف الاحتفالات بالحب على طريقة الغرب والورود الحمراء.. دعوا الشرطة لتفريق المحتفلين ولو اضطرهم الأمر لإيقافهم ومحاكمتهم..
طالبوا بنشر الحب الذي يتناسب والشريعة. هل هناك حب إسلامي وحب مسيحي وآخر بوذي؟ أليس الحب شعورا عالميا؟
كيف يؤسلم الحب؟ ويمنح مقاييس شرقية أو عربية؟
هل توزع أشواك الصحراء بدلاً عن الورود؟
الكل يحذر من العيد الوثني.. هناك بقايا وثنية كثيرة في حياتنا.. صلوات وقرابين وطقوس حضارات مختلفة.. كلها بقيت إلا الحب استبعد.
إرث الحب لم يوافق أهواءنا.. صرنا محصنين ضده، بالأدعية، وبالمحاضرات والتربية وكل ما حولنا شدد على أن الحب خطيئة وثنية..
قبل أن يجرم المحبون ويوصفون بالهراطقة، كان الشاعر القديم يحترم محبوبته. وبعد أن صنف الحب ضمن الممنوع. كره المحب امرأته. صارت رمزا لخيانة العشيرة والتقليد والعرف. غدا الانتقام من مشاعرها واستباحة جسدها ورميه باسم الشرف أمرا مشروعا ومباحا.
كيف يمكن لرمال الصحراء الجرداء أن تحتضن الحب زمن الجاهلية وتعجز عن إنجابه زمن المدنية؟
* * *
أين يحيا الرومانسيون والرومانسيات؟ وهل هناك مكان لأحلامهم على الأراضي العربية؟
هل باستطاعة المواطن المقموع أن يحب.
هل للسياسة دور في إحياء الرومانسية أو إطفاء ذكرها؟
انشغل السكان بالأساسيات.. بالفقر، بالمرض والتفكير بإشباع الغرائز الأولية. صرفت الغالبية عن التفكير بالسياسة والحب والفنون. تلك كماليات خاصة بالارستوقراطيين. أما الغالبية فتصنع الجنس ولا تمارس الحب.
إذ كيف يحب مقيد الفكر؟
كيف لأوامر الحب أن تصدر من عقل معطل؟ عقل خائف حد الموت.. من جسد مرتعش، من نفس مقهورة وقلب مطحون..
قصص الحب الحقيقية لا تنجب في مناخ مسجون، إلا ان كان أبطالها ثواراً.
الحب وليد الحرية..
* * *
حالة حب
هي بالمجمل شيء ما يسري بالصدر ولا يمكن تفسيره، ما يعلمه المرء فقط أن حياته ستكون أجمل بجوار هذا الشخص بالتحديد بتفاصيله الدقيقة.. طريقة سيره ونكاته وشعره المنكوش عند الاستيقاظ .. حتى التفاصيل الحياتية الصغيرة يصبح لها معنى آخر بوجوده.
شوهها العلماء حين وضعوا تفسيرا علمياً لها..
ظاهرة كيميائية تنشأ في داخلنا.. نصادف شخصا فتتجمع المشاعر في العروق. ويقوم الأدريناليون بتسريع خفقان القلب، ترتجف الأطراف، ويرسل العقل إشارته لجميع الأعضاء لتتصرف على غير عادتها.. يفرز الجسم والدماغ مواد كيميائية تجعلنا نشعر بالراحة والاطمئنان والسعادة والأمان.. تلك المواد تسبب إدمانا حين يعيشها الإنسان، لذا يشعر بالضياع والخوف حين يبتعد الحبيب.. فالدماغ قد توقف عن إفراز الاندروفين وغيرها من المواد التي كانت تسري في الأعصاب والدم ..
حالة الحب علمياً هي تغييرات هرمونية لا أكثر ولا أقل..
واعتقد عدد من الفلاسفة والعلماء بأن هناك ذرات متناثرة في الكون تبحث عن بعضها البعض حتى تلتقي وتتكامل ويحصل عندها ما يسمى بالتوازن الكوني.
وفي حال توافقت الروح مع الجسد يحدث الحب الأبدي..
ولا أعلم ماهية الحب الأبدي.. فلم نعاصره خصوصا هنا.. كل أنواع الحب موقتة زائلة.. وتلك التي دفعت أصحابها للارتباط الاجتماعي تم اكتشاف زيف عدد كبير منها لأن الخيانة إرث اجتماعي طبيعي، والتقاء الذرات المتناثرة ولا أسهل..
كثير من السيدات عرفتهن قبل زواجهن، كن يحتفلن بالفالنتاين بكل سعادة وبعد الزواج بسنوات عدة صار عيد الحب محرما برأيهن ومن مخلفات الجاهلية.
تجمع كل شيء في البداية.. الهرمونات، المواد الكيميائية، الخفقان المتسارع، الانجذاب الكيميائي عدا شيء واحد لا علاقة له بالتغييرات الجسدية وفهم العلم لها..
إذا كان الاحترام والإخلاص هما أساس العلاقات فمن يتقن فن الاحترام.
هل يقبل الشرق أن تتحد الأجساد والأرواح، أن تنشر قيم الإخلاص.. الشرق الذي يحرض على تكفير الحب.. ويعادي الطبيعة فيعتبر التغييرات الهرمونية أمرا محرما تجب الوقاية منه ومن أسبابه.. هل يقبل أن تحترم الحبيبة؟ أم أن تنتهك كرامتها؟
وإلى كم حبيب يتسع قلب الشرقي أو الشرقية؟
بعض العلماء يعتقدون أن حال التغيير الهرموني صعب أن تحدث إلا حين يعاني الإنسان من فراغ عاطفي وهذه الفرضية تمحو إمكانية حدوث الحب بمعناه العلمي مرات عدة في آن واحد. قد يمنحنا الفالنتاين القدرة على التمييز بين الحب والإعجاب الموقت.. بين الحب والصداقة. بينه وبين رغبة جسد جامح. بين الكيمياء الموقتة وبين اتحاد الأرواح والأجساد.
سيهنأ اليوم بالفالنتاين من يعيش حالتي الحب والاتحاد الكاملين.
وهناك من سيقضي العيد وحيداً.. وهناك من سيقضيه بأداء تمثيليته السنوية الروتينية.. هناك من سيعترف باضطراباته الحبيسة.. بارتكابه أسخف السخافات لأجل رفيق درب لم يشعر بوجوده بعد.. وهناك من سيقرر مباركة حالته برباط مقدس..
حتى وإن مر العيد عليك وحيداً.. كثيرون يؤمنون بأن أسعد حالات الحب هي التي تكون خالية من أي مصالح وأي رغبات. الصداقة أجمل حالات الحب. حب الإنسانية. أي أن الحب بمعناه الواسع وليس الضيق يمكنه أن يعوضني عن حب رجل أو يعوضك عن حب امرأة.. طالما أن هذا الأخير ليس سوى هرمونات وذرات متطايرة قد تنضب بعد ساعة أو بعد سنة..


نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=111933

* المقاله منشوره في جريدة الرأي البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=9641