الجمعة، 27 فبراير 2009

في ذكرى التحرير


كانت الساعة السادسة من صباح كئيب حين استيقظت على خبر ينقله مذيع الـ«بي بي سي»: لقد اندلعت الحرب في الخليج.
كنت في المدرسة، وبدلا عن إجازة منتصف العام المعتادة منحنا إجازة يحلم بها أي تلميذ، إجازة مفتوحة بأمر ملكي حتى إشعار آخر.
وللمرة الأولى تمر العطلة ببرود وبطء ثقيل، كثقل السنة الرمادية التي كانت تعبرنا وتهدد كل ما حولنا حتى أحلامنا.
26 فبراير: انتهت الحرب وتحررت الكويت. تحررت من كل شيء. وتحررنا نحن. من الحرب. من الدمار. أهمه الخوف من المجهول.
عادت الأحلام بمستقبل أفضل لمجاريها، لكن مخلفات الحروب مثل تجارها لم تغب عن الساحة، بل شكلت مستقبلاً غيّر خارطة الأحلام.
الحرب كانت منعطفاً للظاهرة الإسلامية، برز التكفيريون، وخرج الخطاب الديني الصحوي، وأخذت (وما زالت) الحركات الدينية ذات الفكر السياسي تمارس دورها في تسييس الشارع في منطقة الخليج. كما نجحت موجة من الفتن الطائفية والعصبية القبلية والفتاوى الفوضوية من أن تحط رحالها في المنطقة كلها. مخلفات الحرب كانت احتلالا جديدا بحد ذاتها للخليج بأكمله. تحررت الأرض واستعمرت الأدمغة..
حين قرر أبناء وبنات الكويت أن يرسموا خطوط التحرير عند أول لحظة احتلال، قبل أن يحسم قرار التحرير على طاولة قوات التحالف، فإنهم بالتأكيد كانوا يقصدون كويتا خالية من النعرات والفتن.
وحين شارك جنود السعودية بتلك الحرب فإن عامل الوطن هو الذي جمع أولئك الجنود على الجبهة تلك الأيام... لم تكن حرباً ضد الكفر. كانت حربا من أجل السلام.. والهدف لم يكن إنقاذا للقبيلة أو فوزاً برتبة مذهبية بل الحصول على رتبة روحية وطنية..
أما فضاء الخليج اليوم فتملؤه النعرات الطائفية ومهرجانات الشعراء. الزهو بالقبيلة وبالمعتقد صار شأناً عاديا بدلا من اعتباره جاهلية، التقليل من شأن الآخر سمة الشخصية الخليجية الجديدة.
* * *
- مدهش ما كان يصلنا عبر الإذاعات والقنوات التلفزيونية القليلة آنذاك التي تبث أخبار المقاومة الكويتية.. كنا نستمع لقصص عن بطولات الأهالي وعن التحاق النساء والشابات بعناصر المقاومة.
أحاول أن أتذكر. ليس من وجه لجندي واحد مطبوع في ذاكرتي رغم آلاف الوجوه التي رأيتها عبر التلفاز. وحده وجهها لم أتمكن من رؤيته لكني لم أتمكن من نسيانه.
واحدة من الباسلات.
كانت ممتلئة وطويلة القامة بعض الشيء تلثمت وارتدت نظارات شمسية ربما كي لا يعرفها أحد.
أمسكت سلاحها أمام الكاميرا بشجاعة وأخذت تروي بحماس لا نظير له وبصوت مرتفع حكايات وقصصا عاشتها أثناء الغزو. أشارت بيدها إلى زوايا الشوارع وبعض من المنازل حيث كانت تدور المطاحن والمدينة خالية إلا من هاتكيها والمدافعين عنها.
كانت نموذجا لنساء رفضن مغادرة الأرض وفضلن الموت لأجلها، كن جزءا من حرية الأرض، اليوم يحاولن أن يلملمن أجزاء حريتهن المبعثرة. وتحاول أن تقف لهن مخلفات الحرب بالمرصاد متناسية نضالهن القديم. مجرد محاولة، فامرأة شاركت باسترداد وطن لن تعجز عن صناعة هوية أو الاستمتاع بالحرية.
احتفلت الكويت بالأمس بمناسبة الاستقلال والتحرير، هنيئا للكويت وهنيئا لنا جميعا بذكرى التحرير.

نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/alrai/Article.aspx?id=113639

* المقاله منشوره في جريدة الرأي البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=9796