الجمعة، 23 يناير 2009

قمة العرب... الكويت


الكويت..
هذه ثاني زيارة إليها..
طرحت إعلامياً كثيرا من القضايا عنها. خاصة تلك المرتبطة بنسائها والاختلافات السياسية داخل مجلس أمتها.
تخيلتها مرة مدينة من نار.
تخيلت شوارعها ساحة تراشق بين أبنائها المختلفين في الآراء...
تخيلتها صاخبة كمجريات ما يحدث بين توجهات شعبها المختلفة.
لكن هذه المدينة أزاحت خيالي جانباً.
فليست الديموقراطية همجية. وليس كل أصحابها أشاوس.
تفاجئك هذه المدينة حين تجتاز نقطة العبور في المطار. كل شيء فيها يفاجئني.
أين يمكن أن يحدث هذا عربياً ؟
شوارع هادئة إلى درجة الصمت... رغم بركان من الحريات يغلي داخل ذرات اسفلتها.
السياسة لا تقتصر على الحكومة، والحكومة ليست السياسي الوحيد في الدولة.
الشعب له الدور الأكبر في صنع القرار السياسي.
تنتقد الحكومة. يستجوب الوزراء. يحاكم المسؤولون. ويبقى اسفلت الشوارع نظيفاً، لا يجري عليه من تجرأ على النقد ليلوثه بدمه.
تنتقد السياسات والسلوكيات ويتهم أصحاب الفساد بالفساد... وتبقى السجون خالية...
*
نساء الكويت لسن كالبقية...
القوة النسوية في الخليج اسمها امرأة نشأت على أرض الكويت.
تبهرك إرادتها دائماً. صلبة متحدية.
حين أسير في الكويت أشم رائحة قوة إناثها. هل سهل أن تكون المرأة خليجية وقوية في آن واحد؟ كيف وتنشئتنا تخبرنا بأن الضعف طريق لإغواء الرجل ؟
أتذكر شجاعة المرشحات عبر إحدى الفضائيات بعد انتهاء الانتخابات الأخيرة دون فوز أي مرشحة، كن يهنئن كل من فاز حتى من وقف ضدهن ويتمنين أن يكون فوزه تحقيقاً لخدمة الوطن... تلى ذلك مباشرة تصريح لأحد المنتسبين لتيار إسلامي يعبر عن سعادته بعدم فوز المرشحات، فالمرأة مكانها بيتها.
أيهما كان الأقوى؟
كل زاوية كويتية تحكي قصة ناشطة منذ القرن السابق إلى اليوم. هذه التركيبة الغريبة لامرأة شرقية من الخليج تحيا تناقضات الحياة العربية بأعاجيبها المختلفة، ورغم ذلك نجت مما سقطت فيه الملايين من العربيات. احتفظت بحقها في قول كلمة (لا).
هل للحكومة الدور الأكبر أم التنشئة؟ المدرسة أو الجامعة؟ هل أكسبتها الحياة السياسية أو المعارك الدائرة بين الإسلاميين والليبراليين قوة لا وهناً.
والسؤال الأهم هو إلى متى يمكنها الاستمرار في حياكة المزيد من الخطط التحريرية في ظل انحسار تلك الخطط واختفائها من معظم الدول العربية؟
*
كما الداخل الكويتي ليس كأي داخل تقليدي، فقمة الكويت لم تكن كبقية القمم...
كويت الحكمة... افتتحت العام باجتماع عربي فحضر الجميع، اتفقوا. اختلفوا ثم اتفقوا. المهم أنهم حضروا جميعاً وخرجوا ببيان.
أحلام العرب في التنمية كبيرة وكثيرة كبياناتهم التي لاحصر لها ينقصها أهم شروطها وهو التنفيذ... إصلاح التعليم واتفاقيات اقتصادية وتمكين المرأة والاهتمام بالبحث العلمي... أحلام عربية مديدة.
النكسات أحاطت بالقمة من كل جانب. أزمة اقتصادية، أزمة سياسية، أزمة ثقافية وأزمة هوية وأزمة اتفاق. العرب في مرحلة انهيار.
صدق سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح حين وصفها في كلمته الافتتاحية بأنها قمة تاريخية... وهكذا كانت، تاريخية فريدة بالأحداث المؤلمة التي رافقتها وبالخطب المفاجئة التي تضمنتها وبالمصالحات المشرفة التي احتضنتها.
لكن الكويت المستعدة دائماً للأحداث السياسية، استوعبت الحدث العاصف دون أن تبدي أي تأفف. كل شيء سار على ما يرام ، بهدوء وسلاسة . بدأ كل شيء وانتهى بوداعة. بتنظيم، بدقة وأمن.
شوارعها، بحرها وجوها البارد المنعش، كلها بقيت على حالها. لم تتأثر بصخب الحالة السياسية العربية. بل تأثر الصخب بها وتحول من نزاع إلى صلح يشفي غليل الطامحين إلى السلام. ويصد عداء الحماسيين للإنسانية.
الآن، بعد قمة الكويت، باستطاعة المواطن العربي الذي أصبح بفعل عامل الزمن مواطناً بسيطاً يفكر بالقشور فقط. ويمضي أيامه باحثاً عن قيادات ورموز. الآن باستطاعته تمييز القيادات...
هذا هو المهم في الفترة الراهنة. أن تحدد القيادات. فقد أصبح الفرد ينظر لبعض الفصائل والحركات العربية الهمجية ودول خارج محيطه الإقليمي بصفتها القائدة والدولة والحكومة... يستمع لأوهام. هبات من الأحلام... قادرون على شطب اسرائيل من الوجود بساعات. يبيع نفسه ويهتف لرموزها ضد حكومته وشعبه لأجل حلم ليس بحلمه فتباع قضيته الحقيقية برمتها.
الآن. قد توقف المصالحة وخطابا الرئيس المصري والملك السعودي كل حركة (سببت التفرقة بهدف الوصول لعرش السياسة باسم الدين والجهاد) عند حدها... فهناك حكومات يصدر منها القرار. القرار لا يصنع في إيران، ولا يصنع في الشارع... أولاد الشوارع لن يصنعوا قرارا سياسياً لصالح الشعوب بل دمارا كالذي حدث في غزة...
الآن يمكن القول ان قمة الكويت قد حققت نصراً... صلح العرب نصر.
ولتحرق كل رايات النصر الوضيعة التي رفعت على جثث أهالي غزة.
يصرح حاملوها بأنهم انتصروا. ما معيارهم للهزيمة إذاً؟
انتصارهم الحقيقي كان في مشاهد القتلى... هذا ما يجب أن تعترف به جميع الحكومات العربية خصوصا تلك التي كانت تزايد وتتاجر مع المقامرين بدماء أبناء غزة. الأيام المقبلة ستثبت مدى التزام تلك الدول بخلق دور عربي فاعل ومستقل وتحقيق مصالح شعوبهم لا أمزجتهم أو الاستمرار بتحقيق شروخ جديدة في الحياة العربية.
انتهت القمة. سعدت لحضوري مؤتمر صلح تاريخي...
انتهى اجتماع الزعماء. الكويت كعادتها هادئة. تثبت يوما بعد الآخر أنها تتربع على القمة.

نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=107390

* المقاله منشوره في جريدة الرأي البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=9430