السبت، 10 يناير 2009

قالت تركيا كلمتها

صرح رجب أردوغان « أنا زعيم لأحفاد العثمانيين»...
انتقد رئيس حزب العدالة والتنمية ما تفعله إسرائيل واعتبره عدواناً.
رد على رؤيتها تجاه موقفه العاطفي: أتحدث بالسياسة وليس بالعاطفة، وإذا كان علي أن أفعل ذلك فسأتعاطف مع أهل غزة».
وصف حاكم الدولة العلمانية الهجمات الإسرائيلية بأنها وصمة عار في جبين الإنسانية وبقعة سوداء في صفحات التاريخ.
قام حاكم الدولة التركية (التي ينكر حكمها الكافر الكثير من المسلمين) بتذكير إسرائيل «استقبلنا أجدادهم وقدمنا لهم المساعدة والحماية، وعليها أن تحترم الحقوق الإنسانية التي عانى في سبيلها هؤلاء الأجداد».
تركيا الدولة العلمانية وقفت إلى جانب غزة، ليس لأن حاكمها ينتمي إلى حزب العدالة ذي الجذور الإسلامية، إنما لأن الإنسانية اقتضت ذلك... مثلما اقتضت الإنسانية بالنسبة لها استقبال اليهود في السابق.
موقف العرب من ذلك...
العرب حاربوا العثمانيين وحلموا باستقلالهم عن حكم طرابيش استانبول، ثم غضبوا من أتاتورك لأنه حارب العثمانيين وألغى الطربوش، ثم حلموا بعودة العثمانيين بعدما استعمرهم الغرب واستعمرتهم أنفسهم... ثم حاربوا علمانية تركيا، ثم امتدحوا تركيا المدافعة عن غزة... أصبح الموقف الرسمي التركي يمثل للكثير موقفا إسلامياً مشرفاً...
*
تذكرت تركيا.
في استانبول تنتشر ملصقات لصور مصطفى كمال أتاتورك في كل مكان... الحداد يقام عليه في كل نوفمبر منذ سبعين عاما، الشباب والشابات أكثر المعجبين به حد الانبهار...
أتاتورك الغى الخلافة الإسلامية وحرر تركيا. أقام نظاما علمانيا استمرت أسسه إلى اليوم... فتركيا تفصل الدين عن السياسة. ولأنها تفصل الدين عن المؤسسات السياسية، كان باستطاعة المجددين الإسلاميين المعاصرين إذابة جليد الإسلام السياسي وإحلال إسلام معاصر وسياسة معاصرة لا تنكر الأخلاق والدين بل تحميهما... بالوصول إلى نهج جديد، علماني يحمي التراث ويقبل على الغرب ويفصل الدين عن الدولة والسياسة لكنه لا يفصل الدين عن المجتمع...
نهج يؤمن بأن الدين تجب حمايته من تقلبات ومزاجيات الساسة وتغيير مبادئهم واتفاقياتهم...
وفي دول إسلامية أخرى تربط الدين بالدولة... تخضع المبادئ الدينية الراسخة لتقلبات أمزجة سياسية... هكذا يهان الدين في عدد من الأنظمة التي تكفر بالعلمانية.
في تركيا العلمانية، وعندما يحين ميقات الصلاة... يصدح الآذان... منابر المساجد لا حصر لعددها... أصواتها تأتي من كل مكان... تملأ السماء بتكبيرات بدء الصلاة... أصواتها تسعدك روحيا على ضفاف البوسفور.
تغمرك العلمانية بإيمان لا أشعر به في أي من العواصم العربية...
*
تذكرت الدكتورة ابتهال الخطيب. كانت ضيفتي بإحدى الحلقات. من النساء، وحدها ابتهال سمعتها تقدم مفهوما عميقا لفكر العلمانيين... قليلات هن الخليجيات اللواتي يعترفن بعلمانيتهن صراحة...
لأن الفكرة العامة عن ذلك المذهب هو أنه مجموعة مبادئ سترهق المجتمع بانفلاتها وستدفعه نحو الحضيض ، سألتها: هل تقبلين لابنتك أن يكون لها صديق بالمستقبل (بمعنى حبيب كما في الغرب)؟
قالت : لا أرفضه بشدة.
قلت لها: الناس ترى بالعلمانية حرية.
ردت الكاتبة المحافظة : الفكر العلماني لا يفرض نمط حرية معينا على المجتمع، العلمانية فكر سياسي وليس اجتماعيا يفصل الدين عن الدولة لكنه يكفل وبشدة الحريات للجميع أهمها الحريات الدينية...
*
تركيا نموذج يقتدى به لدولة شرقية عصرية ...
أما الأخلاق فمحال أن تفرض فرضاً بل تعتمد على درجة إيمان الأفراد بها... لذا يمكنك بسهولة إيجاد أشنع التجاوزات الأخلاقية في أشد الدول تمسكا بالتقاليد الإسلامية وأكثرها ربطا للدين بالمؤسسة الرسمية...
فمتى نتخلى عن أحلام العظمة التي لن تتحقق يوماً ونحاول السير على خطى أكثر واقعية لنتمكن أقله من الحياة كالبقية...

نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=104035

* المقاله منشوره في جريدة الوقت البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=9271