السبت، 17 يناير 2009

حمام القيشاني يكشف عن رائدات منسيات

أتابع هذه الأيام على إحدى قنوات أوربت أجزاء المسلسل السوري (حمام القيشاني) وهو مسلسل يروي مرحلة زمنية حساسة جدا من التاريخ السوري..
القصة تصور أجواء الحارة التي دخلت معترك الحياة السياسية بشكل عفوي لينعكس الأمر على حياتها الاجتماعية وعلاقاتها العائلية. وتغطي الأحداث مراحل عدة سياسية منذ الاحتلال الفرنسي ونضال السوريين ضد الاستعمار ثم عهد الاستقلال وبدايات الدولة السورية، الانقلابات المتتالية ثم الوحدة مع مصر وكيفية نشوء نظام البعث وغيرها من التغيرات.
انعكاس تلك الأحداث السياسية على مجريات تفاصيل الحياة اليومية لأبناء وبنات الحارة هو أكثر ما لفت انتباهي في القيشاني.
كيف بدأت النساء دخول مرحلة التغيير الاجتماعي، كيف كن يستمعن عبر الإذاعة للأغاني الخالدة مثلما يستمعن لمجريات حركة تحرير المرأة. المطالبة بحقها في الانتخاب والتعليم وغيرها من المطالبات التي نطالب بها اليوم.
كيف كانت النقاشات تدور بينهن حول الحرية، حول أشهر التيارات السياسية... وليس أشهر ماركات الحقائب النسائية.
مشاهد تغطي ارتياد الفتيات للجامعات، بدايات الاختلاط، بدايات عهد الزمالة الجامعية بين الطالب والطالبة. تعارف الشاب على الفتاة قبل الزواج.
تتوالى أحداث المسلسل فتقرر (عنايت) المرأة الشعبية المطلقة المدللة التي كانت تتزوج من أثرياء في عمر والدها، أن تكمل تعليمها فتصل للمرحلة الجامعية وتنضم للمذهب الشيوعي الدارج آنذاك وتصبح مهتمة بالسياسة... تنزع عنها الملاءة السوداء وترتدي وتفكر بصوت حر مستقل بعيدا عن تشنجات التقاليد وعادات الحارة الخانقة.
يصور المسلسل شبان وشابات جيل ماض أصابهم هوس الوطنية، وحاولوا اتباع مذاهب وتيارات فكرية مختلفة كل منها يعتقد أنه الأصلح للمجتمع. في الوقت ذاته الذي يصور الرعاع الذين تحولوا إلى جهاز المخابرات.
أعتقد أن القيشاني قد تم تصويره في أوائل التسعينات. ورغم براعة الدراما السورية اليوم إلا أن بعض المسلسلات كباب الحارة وغيره يؤكد أن هناك تراجعا في مضمون الرواية السورية منذ التسعينات إلى اليوم خصوصا تلك التي تصف الشام قديماً..
لا أحد يصف التاريخ السوري. المخرجون يعتمدون التسطيح، وهذا التسطيح يعجب المشاهد. مثلما أعجبه نور ومهند..
الشعب العربي المنهك اليوم يبحث عن قصة خالية من القصة، يريد تفاصيل بسيطة، أهم ما يلفته هو البساطة في العمل.. دون تعقيدات.
يقول الممثل السوري أيمن رضا معلقا قبل أشهر عدة ان بعض الأعمال الشامية شوّهت تاريخ دمشق.. يقول «كل عمل يتناول تاريخ دمشق من خلال الشوارب وخناقات النسوان وحكاياتهن أنا غير راض عنه، وعملي فيه لا يعني أنني راض عنه وأنا منذ عامين لم أعمل بسبب هذه الحالة»
رغم أنه شارك في رمضان السابق في أربعة أعمال تنتمي لدراما البيئة الشامية. قد يرغم الفنان على أداء عمل غير مقتنع به، لأن وجوده على الساحة أمر مهم بالنسبة له..
انتقد رضا الأعمال التاريخية السورية فاعتبرها «سخيفة» و تصلح لفقرة «أخطاء وعثرات». وقال «لا أشارك في الأعمال التاريخية لأنها لا تمسّـنا ولست مضطراً لتحمل فكرة العمل فيها من أجل فكرة سخيفة الجمهور نفسه غير مقتنع بها».
باب الحارة نجح في تعليمنا كيفية عمل الكبة وكيف يكون الإنسان عنتر زمانه، القبضايات والرجولة من جانبهما الخفيف التافه. العصبية... الخوف من كشف اسم المرأة أمام الغريب..
لماذا تعاد تلك الحكاية التي قاومت مناضلات العشرينات ضدها؟
لما تعاد اليوم بهذا الشكل الإيجابي المحبب للنفوس...
لأن المجتمع العربي يريد أن يرى امرأة كامرأة باب الحارة تدارى خلف ملاءتها، ليس لها وظيفة في البيت سوى الدعاء لحارسها وسبب حياتها. لم يعد المجتمع مؤهلا لرؤية جاهلة تكمل تعليمها وتنزع عنها الملاءة... لم يعد مؤهلا لرؤية (عنايت) وهي ترفض في حمام القيشاني عريسا (لقطة) لأنه طلب منها أن تتحجب.
لم يعد يستوعب (أميرة) المتعلمة المثقفة وهي تجيب أخاها الذي عاتبها على طلاقها من ثري عربيد ورجعي قائلة: سأعود لأتبحر في العلم. أخطأت حين تزوجت من جاهل، هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟
ذلك هو ماضي العربيات زمن الثورات.
وهذا هو حاضرهن في زمن التراجعات.
يتحولن يوما بعد الآخر لنساء باب الحارة حيث اللاكلمة واللاصوت واللاقيمة...
هل سيجاري المخرجون الحال العربية العامة (النائمة ) أم سيعمدون لتغيير الحال واطلاع الأجيال الجديدة التي يزداد تسطيحها يوما بعد يوم (بفعل الإعلام وبفعل الدراما وبفعل العائلة) على أجيال شابة كانت عميقة في تفكيرها لدرجة خلدها معها التاريخ.


نادين البدير
كاتبه و اعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-
http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=105709

* المقاله منشوره في جريدة الرأي البحرينيه :-
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=9344