السبت، 26 يوليو 2008

من عنقها يتدلى حبل قتلاها

نجمة معروفة في إعلان تجاري تلفزيوني تنهي حيرتها فتخبر النساء قائلة (وحده الدهب بيكملني).رئيس مجلس إدارة شركة مشهورة للمجوهرات يعلن في لقاء صحافي أن المرأة ليست امرأة دون الماس.إعلانات أخرى تصور أفلاماً قصيرة قصصها واحدة، يهديها ماسة فتمنحه الابتسامة العريضة والحب الكبير.عقيق، فيروز، مرجان، ماس، لؤلؤ، لازورد، زمرد.خرج الرجل من مأواه في الفجر باحثا عن أحجارا يزين بها صدر ومعصم وأذن وأصابع المرأة... جمع والتقط أحجار من فوهات البراكين ومن عميق البحار... قطع نادرة. أحجار كريمة. عاش الرجل في الخطر وقتل ضحية للذهب، انفجر جسده وتفتت في المناجم، بعضه تاه في البحار، شاهده قرش يغازل لؤلؤة سعيدا بلقائها. انقض عليه والتهمه. عشقته جنيات البحر. خطفته فقيل انه انتحر... عاش في الخطر لامرأة، لمعصمها، لأذنها، لعنقها... وهي لم ترحل عن بلدها. لأنها لم ترد أن تسحق وتتلطخ بالفحم والمناجم. أبت أن تحرق جلدها أملاح البحر. أو تلوث أعضاءها سوائل بطن حوت أو قرش.اكتفت بالمكوث في المنزل، اشترت بضاعة البائع المقتول، اكتفت بإنفاق أموال رجال آخرين. وارتدت الجوهرة السجينة في النهاية حجرها الكريم. عقيق، فيروز، مرجان، ماس،لازورد، زمرد.كلها أسماء لذكور.فهل يسمح للمرأة بصديق ذكر؟نجمة الإغراء السابقة مارلين مونرو وصفت الماس بأنه أفضل أصدقائها. من وجهة نظرها، لما لا، قد تبيع الماسا وقت ضيقها لكن ماذا سيقدم لها الرجل في الأوقات الصعبة؟سمح لها الرجل بمصادقة الماس لعلها تنشغل به عن باقي الحياة وباقي الذكور، لم يعارض الرجال إحلال أصدقائها الذكور الجدد عوضا عنهم. أو أن الرجل اقتنع بعدم قدرته على تكميل المرأة، وقف دون حركة أمام قرارها الاستعاضة عنه بالحجر. (وحده الدهب بيكملني). ودونه هي ناقصة...كل من حولها يقول انها دون تلك الأحجار امرأة ليست أنثى، أو أنثى ليست امرأة، خالية من الجاذبية ومن كل مقومات الكائنة الكاملة. انها دونها قد تفقد جزءا مهما آخر من حياتها وهو احترام المجتمع الصغير من حولها.يتدلى من رقبتها عقد جمع حباته عدد من القتلى كانوا يبحثون عن مكملات الأنوثة ومعانيها. ليست الأحجار الكريمة من مكملات الأناقة فقط، بل من لوازم (البرستيج) الاجتماعي. ومنذ اكتشافها كان للأحجار الكريمة منزلة خاصة عند الإنسان. بل إن تلك الأحجار قد بلغت منزلة عالية، أصبحت في مرتبة الكرماء أو أعلى مرتبة، لدرجة تعليقها على أكثر المناطق حساسية في الجسد، قرب نقاط دقات القلب. لتلازم نبض الإنسان وتلازم حياته.كثيرون يعتبرون أن التفاخر والتباهي بارتداء المجوهرات أمر من بدهيات الحياة لكني أعتقد أن الاهتمام المبالغ به في اقتناء المجوهرات يعني أن صاحب أو صاحبة الشأن بهما نقص ما. ما الذي يعانيه الإنسان ليصل إلى مرحلة يستمد بها الاحترام والمكانة من الفحم أو الكربون (الماس) من كربونات الكالسيوم (حيوان المرجان) من السيليكون والكبريت (اللازورد) من إفراز يتشكل داخل إحدى الرخويات (اللؤلؤ).قيمة تلك الأحجار مرتفعة جدا، وهي ثمينة للغاية لكني لا أستطيع تجاوز فكرة أننا نعلق فحما على أعناقنا. هي في النهاية مواد من الأرض. جزء منها بقايا حيوان ونبات، مثل النفط تماماً. وقد يكون جزء منها بقايا لإنسان. ولولا أنها لا تتوافر بكل الأمكنة لكانت الآن حجارة ندوس عليها أو نركلها بأقدامنا ونحن نتنزه. هي مسألة ندرة فقط.حين يرتدي الإنسان تلك الأثمان الباهظة، فهل ينظر لنفسه على أنه كريم كتلك الأحجار. ومن الذي يمد الآخر بالرفعة والعلو. الحجر أم الإنسان؟أكثر الأماكن التي يمكن أن تشهد هذا الاستهتار البشري وتفريق العلو عن الدنو بين الأفراد هي مجالس التجمعات النسائية فبمجرد دخول سيدة تبدأ الأعين بالمراقبة وتفصيل الماركات والمجوهرات. الدنو في بعض التجمعات التي تتسم بالسطحية هو مجوهرات غير كريمة أي مقلدة، أما العلو فعشرات الألوف من الدولارات تزين كل أو بعض أماكن نبض القلب، ستقابل من ترتدي أحجار الأرض الثمينة بعين الإجلال والتبجيل وسيسعى كل من بالمجلس لكسب ودها ومصادقتها...قد يشعرنا الماس بالقوة الشكلية الوقتية لكنه في الواقع يثبت ضعفا في الأعماق وحاجة ماسة لمأمن مادي يكملنا أمام الناس. خاصة إن كان المحتاج حديث عهد بالثراء لدرجة تجعله أو تجعلها تكبل اليدين والعنق بسلاسل وأغلال مرصعة لامعة حتى وهي داخل حوض السباحة. فهوس الثراء يدفعها لذلك. يجب أن يعرف الجميع حجم الثروة...(وحده الدهب بيكملها)...ماذا تفعل الفقيرة التي لا تملك ثمن تلك المكملات. كيف تكسب الكمال واحترام الناس.هل تسرق أم تبيع نفسها لتشتري نصيبها من الحجارة؟ خاصة وأن الدعارة اليوم لم تعد من أجل لقمة العيش فقط ولم تعد تقتصر على المسكينات، بل تمارسها متوسطات الدخل لشراء سيارة ثمينة، خاتم سوليتير، فيلا مطلة على البحر، ملابس لمصممين عالميين. وإلا لن يعود باستطاعتها اللحاق بجماعات القشور الجديدة.عقيق، فيروز، مرجان، ماس، زفير، زمرد.مثلما الفرو مكانه جلد صاحبه الحيوان، في الغابة. فإن مكان الحجارة الطبيعي هناك على سفوح الارتفاعات وفي قاع البحار لتغطي الطبيعة باللمعان. الحجارة تشكلت من أجل بريق الأرض، لا لتلميع صورة النساء والناس.

نادين البدير
كاتبه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-

http://www.alraimedia.com/Templates/frNewsPaperArticleDetail.aspx?npaId=59424

و منشوره في جريدة الوقت البحرينيه أيضًا :-

http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=7622