الجمعة، 22 أغسطس 2008

خليجيه في بكين

انتقاد محافظ حاد وجه قبل فترة نحو بعض الشاشات الخليجية التي سمحت بعرض متباريات الأولمبياد بأوضاعهن غير المحافظة وملابسهن الكاشفة. أما الأوضاع الخارجة المقصودة فهي المباريات الأولمبية المعتادة، وعن الملابس الكاشفة فهي ملابس الرياضة التي تسهل حركة اللاعبة وتتماشى مع ما تزاوله من ألعاب.ساحة الأولمبياد التي لم تلعب على مدى التاريخ دورا في مسرحية الإثارة أو استعراض الأجساد، ولم تسمح بأن يشتهي رجل لاعبة على أرضها، يريد البعض تحويلها في أذهاننا إلى مسرح نخاسة رخيص... الأولمبياد دخل مجال العيب والحرام.الأهم من يفوز في النهاية؟ أخلاقيات الرياضة الراقية أم فكر داخلي صغير؟في بعض الأحيان تسير الموجة العالمية بتسارع أقوى من مجرد تيار فكري، أقوى من محاولة إقناع متشدد بتطوير أفكاره عن الحريات... موجة الرياضة تتخطى كل الحدود، وتتعدى كل المعوقات.اليوم وفي الوقت الذي يستهجن به الكثيرون من متشددي الخليج أمر تحريك النساء للعضلات. يرفضون بكل ما أوتوا من براهين دينية وبيولوجية، تمسك ميثاء بنت محمد بن راشد بعلم بلادها في الأولمبياد وتتقدم الوفد الإماراتي في حفل الافتتاح، مشت تتقدمهم بطولها الفارع. بعباءتها وشيلتها. مبتسمة بهدوء وخجل للكاميرا. عباءتها وابتسامتها تلتفان حول بطلة كراتيه أثارت دهشة أهل الخليج وإعجابهم أيضاً على مدى سنوات.أما السعودية، فيحتد الجدل فيها حول فكرة مزاولة المرأة للرياضة. عقل المتشدد يطير كلما تخيل السيقان والأذرع النسائية تطير في الهواء، بحركات مريبة قد تمارسها نساؤه يوماً. لا يدعه الليبرالي وشأنه، بل يستفزه بكل مناسبة مطالباً بالرياضة النسائية في محاولة جادة لإثبات صموده كليبرالي...الكفة ترجح حتى اليوم لصالح المعارضين لرياضة النساء. إذ تمنع حصص التربية البدنية في مدارس البنات، وتحاصر أفكار إقامة النوادي الصحية العادية. في خلال كل ذاك الجدل والمنع، اختيرت الفارسة السعودية أروى مطبقاني كأول سعودية ضمن الاتحاد السعودي للفروسية..بالطبع الاتحاد الرياضي لم يستأذن المطاوعة، ولم يحصل على مباركة الليبرالي وتهنئته وإشادته... اختار الفارسة ببساطة. الموجة العالمية أقوى من جدل يسير داخلي. الموجة العالمية ابتلعتنا وتياراتنا الفكرية واختارت الفارسة..الأمير الوليد بن طلال لا يمكنه تفويت فرص التحضر. الأب الروحي للمرأة السعودية، شكل منتخبا نسائيا وقدم لبلاده عدة فارسات سعوديات. قرأت ذات مرة أنه لم يكن مسموحاً للمرأة في بريطانيا امتطاء الجياد حسبما يمتطيها الرجل، كانت تجلس على جنبها وتسدل ساقيها على احد جانبي الخيل، دون أن تتجرأ الأفخاذ على اتخاذ وضعية الزاوية المنفرجة... فذاك مناف للحشمة والأنوثة. وحده الرجل كان قادرا على التحكم بالخيل وحيداً وبواسطة فخذيه. وحين سمح أحد الآباء لابنته بقيادة الخيل للمرة الاولى بطريقة مشينة كما الرجل، صارت فضيحة وتحولت الابنة لمضغة تلوكها الألسن بالاشاعات والإساءات.اليوم ، تمتطي الخيول نساء ينتمين لأكثر الدول تشددا على الصعيد الداخلي، ويعني ذلك أن الموجة العالمية تبتلعنا بنهم، ولا تدع لنا مجالاً للتفكير. كل شيء تغير. اختلاف العصور والأزمان يفرض اختلاف المفاهيم... ما كان منافياً للأنوثة بالأمس اليوم أصبح عاديا بل أكثر من عادي... والذي كان رمزا لذكورة طاغية تثير غرائز النساء أصبح مطلباً رئيسياً لجسد لاعبة...الفوارق الحادة بين الجنسين تذوب. أليست الحدود بين الثقافات تذوب؟ أليس سلام أن تذوب الحدود بين الأديان؟غطت الأنثى عضلة بارزة في ذراعها وأحكمت الغطاء، تمادت في إبراز تكوينها الضعيف لإثارة مفتول البنية، تغير كل شيء. رقيقة البنية الماضية تحبس أنفاسك وهي تستعرض عضلاتها المفتولة وتمارس رفع الأثقال في الأولمبياد. أثقال قد لا يتمكن الرجال من حملها، ترمي القرص والرمح وتشارك برماية القوس والنشاب، تطير فوق الحواجز، تتشقلب بين طيات الهواء قبل أن تلقفها المياه وتغوص .. ما عادت قوة الأنوثة في ذكائها وحنكتها فقط. فقد اجتمعت الأنوثة والبنية القوية أيضاً. أجساد اللاعبات في عصرنا تشكك بصحة الأسطورة القديمة وتؤكد قدرة المقاتلات الأمازونيات القديمات وتدفع عنهن صفة نبذ الأنوثة... قال صاحب الأسطورة الذي لم يصدق أن المرأة يمكنها رمي الرمح بأن الأمازونية لجأت لكي صدر طفلتها ليضمر أحد الثديين فلا يعيقها عن استخدام القوس والسهم عليه.. هل يمكن في المقابل أن تجتمع الذكورة والرقة، ولو كانت تصب في خانة المشاعر؟رشيق الجسد نحيله، يتباهى بإظهار أعضاء الذكورة بملابس الرقص الضيقة... ساقه تتلوى وتلتف حول البالرينا التي يراقصها... استعراض مشاعري يأسر القلوب والخيال. ليس بحاجة لأن يتبختر بخشونته أمامها، لا يفعل أكثر من ملامسة تفاصيل جسدها. يعزف عليه بأنامله العذبة سمفونية مكملة لتلك التي يرقص عليها... هل يعد ذلك الذكر رجلاً؟ أم أن مقومات رجولته ضعفت بارتدائه تلك الملابس اللصيقة؟رقص الباليه كالرياضة ممارسة تفهمنا أن قوة الذكورة لا ترتكز على عضلة، أن الرقة والعاطفة يمكنهما الاجتماع سويا في جسد رجل.الموجة العالمية تلتهم مفهوم الأنوثة والذكورة المعتاد شيئا فشيئاً... تغير تعاريف الضعف والقوة. ويوما ما ستختار تلك الموجة لاعبات جمباز خليجيات وبطلات سباحة من الجزيرة العربية، ستتسابق فتيات الجزيرة في مسابح الأولمبياد. سيثبتن انتماءهن للبحار وسلالات الغواصين.

نادين البدير

كاتبه و إعلاميه عربيه سعوديه

* المقاله منشوره في جريدة الرأي الكويتيه :-

http://www.alraimedia.com/Templates/frNewsPaperArticleDetail.aspx?npaId=64994